"لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة"(١٦٤- ال عمران).
في هذه الآية الكريمة يحدثنا المولى سبحانه وتعالى أنه بعث رسول الله، محمدا، صلى الله عليه وسلم، في أمته لأمور عدة، منها : تزكية النفس وتعليمهم العلم الشرعي والديني، وهذه منحة إلهية ومنة ربانية على هذه الأمة المحمدية، فما معنى تزكية النفس ؟
يقول الدكتور سامى عبد العظيم العوضى، الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف: تزكية النفس جزء من العلم، لذلك جاء بعد كلمة ( ويزكيهم ) كلمة ( ويعلمهم )، فطالب العلم يتولد لديه الرياء - أحياناً - أو الكبر أو غيرها من الأمراض القلبية. وقد قرن الله عز وجل العلم بالتزكية في قوله : ( هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين ).
والتزكية لغة بمعنى الطهر وقد قال الله تعالى : ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) والتدسية عكس التزكية وهي التحقير .
أما التزكية اصطلاحا فهي تطهر النفس من الشر والإثم . والنفس الانسانية معرضة لنزعات الشر ونزعات الخير. فالنفوس أنواع، فهناك النفس المطمئنة (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةًفَادْخُلِي فِي عِبَادِي*وَادْخُلِي جَنَّتِي) أسمى النفوس، لأنها انتصرت على نزعات الشر تلك وتتبعها اللوامة وهى التي تلوم صاحبها على فعل الشر. أو التقصير في الطاعة. فتارة تحسن وتارة تسيء(وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ).أما الأخيرة فهي النفس الامارة بالسوء وهي التي تأمر صاحبها بالانغماس في الملذّات والشهوات، وتغريه بكلّ معصية وبعد عن الله تعالى، قال الله سبحانه: (إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ). ومحل التزكية هو القلب، وهو موضع الإصلاح؛ فالقلوب ثلاثة أنواع وهي القلب السليم سلم من الشرك . والقلب المريض والقلب الميت . إذ لا بد من إصلاح القلب وتطهيره من الشرك ثم من المعاصي الكبائر منها والصغائر ليصل إلى التزكية.
فحقيقة التزكية، حسب الدكتور سامى، إصلاح الداخل بالتخلية من المعاصي والآثام والتحلية من مكارم الأخلاق وحسن القيم وأنبلها، وللتزكية عدة أنواع، أولاها تزكية الله للأنفس، ففي قوله تعالى : ( ألم تر الى الذين يزكون انفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا ) وثانيها تزكية الرسول – صلى الله عليه وسلم – وقد كانت تزكية النبي – عليه الصلاة والسلام – للناس بالموعظة الحسنة والإرشادات النبوية، ومن ثم يأتي تزكية العبد لنفسه ويكون ذلك بالفعل وليس في القول، فقد أمر الله تعالى بتزكية الإنسان لنفسه عن طريق الفعل ونهى عن تزكيتها بالمدح والقول .
على المرء أن يتهم نفسه بالتقصير والاسراف ويبتعد عن معاصيه وشرور نفسه، وهذا مبدأ التزكية . أما الخطوات العملية لتزكية النفس فتكون بالقوة العلمية التي تبصر الإنسان بالخير والشر . وتساعده على التمييز بينهما، والقوة العلمية تزداد باكتساب العلم . والخطوة الثانية تكون بالقوة العملية إذ هي تتمثل بالإرادة والهمة العالية وتزداد بالعبادات وأداء الفرائض والنوافل . ومن الناس من يجمع القوتين ومنهم من يفقد كليهما ومنهم من لديه احدهما . فلابد من اكتساب كليهما للوصول لتزكية النفس، إذ لا يكفي العلم بلا عمل ولا العمل بلا علم، فلا نكون كاليهود او النصارى بل نكون مسلمين حنفاء كما أراد لنا ربنا، نهتدي بهدي نبيه، ونسير على صراطه المستقيم.
ويضيف الدكتور سامى: اهتمّ العلماء والعارفون بالله بمسألة تزكية النفس، وطرائق تحصيلها، ذلك أن النّفس البشرية متقلّبة في مقاماتٍ عدة، وهي بحاجة إلى ما يزكيها ويطهرها ويحميها من دنس السّقوط في مراتبٍ سفليةٍ لا تليق بالمسلم، ولا تؤهّله للنجاة يوم لقاء الله تعالى، وقد كانت مهمّة العناية بالنفس وتزكيتها محط اهتمام النبي، صلّى الله عليه وسلم، إذ كان على جليل قدْره وقربه من الله- يدعو ربّه جلّ وعلا بالثبات، فكان ممّا يقوله ويستعيذ بالله منه : ( اللَّهمَّ مُصرِّفَ القلوبِ صرِّف قلوبَنا على طاعتِكَ ) وكان يدعو ربّه بزكاة نفسه فيقول: ( اللهم آتِ نفسي تقواها وزكِّها أنت خيرُ مَن زكَّاها أنت وليُّها ومولاها ).