نعيش الآن فى عالم مضطرب، لا يعرف سوى لغة القوة والمصالح، وأضحت مؤسساته ومنظماته وأممه المتحدة ومجلسه للأمن، مجرد أدوات فى يد الدول الكبرى، التى تهيمن على العالم، وتعيد رسم ملامحه وحدوده وتقسيمه من جديد، وما شهدناه خلال ثورات الدمار والخراب العربى، وما نراه بأعيننا حاليا، من تدخل سافر فى شئون الدول ومن عدوان مسلح وغزو لدول أخرى، يعد بمثابة إدانة للبشرية كلها، ودليلا على تخلف ورجعية النفس البشرية وعودتها إلى العصر الحجرى، بعد أن أصابتها التكنولوجيا الحديثة بلوثة عقلية أفقدتها آدميتها، وهوت بمثلها العليا وضميرها الذى كان فيه بعض من حياة إلى قاع الجحيم.
الحرب الروسية – الأوكرانية، أماطت اللثام عن صراع المصالح وفرض النفوذ واستعراض القوة بين القوى العظمى، فسرعان ما انصهرت أمريكا وأوروبا فى بوتقة واحدة، فى مواجهة الدب الروسى، وتقليم أظافر التنين الصينى، وبلغة الاقتصاد، نجد أن أمريكا ودول أوروبا تتحكم فى 60% من اقتصاد العالم، وعلى الجانب الآخر، نجد أن نصيب روسيا ومعها الصين والهند وإيران لا يتجاوز 11% من اقتصاد العالم.
ويواجه الدب الروسى عقوبات اقتصادية غير مسبوقة من الغرب، ومهما حاول بوتين لن يستطيع إجبار الغرب على شراء الغاز الروسى بالروبل، لأن الروبل لا يزال عملة محلية روسية، ولم يتم إدراجه حتى الآن ضمن سلة عملات الاحتياطى النقدى العالمي لدى صندوق النقد الدولى، بجانب الدولار واليورو والإسترلينى والين اليابانى، وبرغم المحاولات المستميتة للصين لم تتمكن حتى الآن من جعل اليوان الصينى عملة دولية بجانب العملات الأربعة الكبرى.
والسبب يرجع إلى أن حصة أمريكا وحدها فى صندوق النقد الدولى حوالى 17%، وتحدد هذه الحصة بناء على مركز الدولة النسبى فى الاقتصاد العالمى، وأن أى تغيير فى حصة أى دولة يجب أن يوافق عليه أعضاء الصندوق بأغلبية 85%، وبالطبع لن توافق أمريكا على أن يصبح الروبل الروسى أو اليوان الصينى ضمن سلة عملات الاحتياطى النقدى العالمى لدى صندوق النقد الدولى.
ومن هنا نجد أن الديناصور الغربى بزعامة أمريكا يتحكم فى 60% من اقتصاد العالم، وأن الدب الروسى والتنين الصينى ومعهما الهند وإيران يتحكمون فى 11% من اقتصاد العالم، وأضحت الدول الناشئة والنامية فى مهب الريح، وتأثرت شعوبها وأسواقها بهذه الحرب الطاحنة بين المعسكرين الغربى والشرقى، بالرغم من أن هذه الدول لا ناقة لها ولا جمل فيما يحدث من صراع بين المعسكرين على فرض النفوذ والهيمنة حول العالم.
الصراع بين الديناصورات واللعب على المكشوف كشف الوجه القبيح لهذا العالم، الذى كثيرا ما صدع رؤوسنا بحقوق الإنسان والديمقراطية، والتى اكتشفنا بعد فوات الأوان إنها مجرد أكذوبة كبرى، وشماعة للتدخل فى شئون الدول وتخريبها ونهب ثرواتها، وأن مصالح الدول الكبرى هى التى توجه وتدير هذه المنظمات، التى تتشدق ليل نهار بالدفاع عن الإنسان وحقوقه، وقد بلعنا الطعم وذقنا الأمرين بسبب هذه المنظمات المسيسة، التى تعلى شعار الدفاع عن حقوق الإنسان وتضمر تأليب الشعوب وزرع الفتن والدسائس بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد، ولن ننسى دورها المشبوه فى الفوضى الخلاقة بمنطقة الشرق الأوسط.
لقد تحول العالم إلى غابة، وبات القوى يدهس الضعيف بكل قسوة، وأن كل ما كنا نسمعه ونقرأه وندرسه عن قواعد ومبادئ الشرعية الدولية مجرد شعارات جوفاء لا تغنى ولا تسمن من جوع، وأن قرارات مجلس الأمن الدولى وتصويت أعضائه بإدانة العدوان من دولة على أخرى، لا يستحق الحبر الذى كتب به، طالما تملك الدول الكبرى حق الفيتو، وأن مبدأ حظر استخدام القوة ومبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، وغيرها من المبادئ التي اعتبرت كدعائم لتجسيد مبدأ سيادة القانون على الصعيد الدولي لا تطبق سوى على الضعفاء.
ونحمد الله على أن الجمهورية المصرية الجديدة كانت لديها رؤية استباقية، وكأنها كانت تقرأ المستقبل، وبادرت بتزويد جيشها الوطنى بكل ما هو جديد ومتطور من الأسحلة الحديثة "طائرات - غواصات - فرقاطات وغيرها"، كما نوعت مصادر التسليح، بحيث لا يعتمد على دولة واحدة حتى بدأت ترساناته العسكرية في الإنتاج والابتكار.
[email protected]