هناك صنف من المسلمين يصوم رمصان صومًا كاملا، ويواظب على الصلاة في وقتها، ويُخرج حق الزكاة المفروضة عليه، ولكنه يكون من المفلسين يوم القيامة!
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون ما المفلس؟)، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: (إن المفلس من أمَّتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتَم هذا، وقذف هذا، وأكَل مال هذا، وسفَك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإنْ فَنِيَتْ حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار)؛ رواه مسلم.
سأل رسول الله "صلى الله عليه وسلم" الصحابة عن المفلس، قائلا: (أتدرون من المفلس؟)، قالوا: يا رسول الله، المفلس فينا من لا درهم عنده ولا متاع، يعني ليس عنده نقود ولا عنده متاع (كلّ ما يُنْتَفَع به من سِلَع وأثاث ولِباس، ولوازم ضروريّة للمعيشة)؛ أي: إن المفلس يعني الفقير.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة)، وفي رواية: (من يأتي بحسنات مثل الجبال)؛ أي: يأتي بحسنات عظيمة، فهو عنده ثروة من الحسنات الصحيحة، لكنه يأتي وقد شتَم هذا، وضرب هذا، وأخَذ مال هذا، وسفَك دم هذا؛ أي اعتدى على الناس بأنواع الاعتداء، والناس يريدون أخذَ حقِّهم، ما لا يأخذونه في الدنيا يأخذونه في الآخرة، فيُقتص الله لهم منه؛ فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، بالعدل والقصاص بالحق، فإنْ فنيتْ حسناته أُخِذ من سيئاتهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار، والعياذ بالله.
ثواب الصلاة ينتهي، وثواب الزكاة ينفد، وثواب الصيام يتلاشى، كلُّ ما عنده من حسنات ينفد، فيؤخذ من سيئاتهم وتُطرَح عليه، ثم يُطرح في النار، والعياذ بالله.
وصدق النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ فإن هذا هو المفلس حقًّا، أما مفلس الدنيا، فإن الدنيا تأتي وتَذهَبُ، فربما يكون الإنسان فقيرًا في الصباح وفي المساء يصبح غنيًّا، أو العكس، لكن الإفلاس كلَّ الإفلاس أن يُفلِس الإنسان من حسناته التي تَعِبَ وصبر عليها، ثم تؤخذ منه لفلان وفلان أمام عينيه.
وفي هذا تحذيرٌ من العُدْوان على الخلق، وأنه يجب على الإنسان أن يؤدي ما للناس في حياته قبل مماته، حتى يكون القصاص في الدنيا مما يستطيع، أما في الآخرة فليس هناك درهم ولا دينارٌ حتى يفديَ نفسه، ليس فيه إلا الحسنات، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فَنِيَتْ حسناته أُخِذ من سيئاتهم، ثم طُرِحت عليه وطُرِح في النار).
ولكن من فضل الله علينا أن هذا الحديث لا يعني أنه يُخلَّد في النار، بل يُعذَّب بقدر ما حصل عليه من سيئات الغير التي طُرحت عليه، ثم بعد ذلك مآلُه إلى الجنة بإذن الله تعالى؛ لأن المؤمن لا يخلد في النار، ولكن النار حرُّها شديد، لا يصبر الإنسان على النار ولو للحظة واحدة، فإذا كان لا يستطيع أن يصبر على نار الدنيا فما بالنا بنار الآخرة، أجارني الله وإياكم منها.