زيادة قياسية في تكلفة الخامات بعد الحرب الروسية ـ الأوكرانية ومجرى تجارة الصلب يتحول من البحر الأسود إلى تركيا
موضوعات مقترحة
ارتفاع أسعار حديد التسليح محليا انعكاس لتحركات الأسعار العالمية وسعر الصرف
تواجه صناعة الصلب العالمية تحديات كبيرة خلال الفترة الأخيرة نتيجة لعدة عوامل أدت إلى زيادة الأسعار وإحداث طفرة لم تشهدها هذه الصناعة من قبل، وكانت الحرب الروسية ـ الأوكرانية إحدى العوامل التي أدت إلى زيادة التحديات والمشكلات التي تواجهها الصناعة نتيجة توقف سلاسل الإمداد للمواد الخام ومصادر الطاقة الى جانب تعطل إمدادات المنتجات تامة الصنع؛ حيث تعتبر منطقة البحر الأسود من أهم مناطق التوريد في العالم لمنتجات الصلب والطاقة من غاز وبترول وفحم.
لقد بدأت أزمة هذه الصناعة مع ظهور جائحة كورونا وحالة الإغلاق الاقتصادي التي شهدتها معظم دول العالم؛ مما أدى إلى هبوط حاد في الطلب وتوقفت العديد من المصانع عن العمل وذلك للحد من الخسائر الهائلة التي نجمت عن زيادة العرض عن الطلب مع انهيار الأسعار.
ويعتبر عام 2020 من أعنف السنوات التي مرت على تلك الصناعة والتي حققت فيها معظم الشركات المنتجة خسائر كبيرة. وكان الاقتصاد العالمي قد شهد انكماشاً بلغ معدلة 3,6% وهو الأداء الأسوأ على الإطلاق منذ الكساد الكبير الذي ضرب العالم في الفترة من 1929-1932، ثم جاء التحول الهائل عام 2021 مع عودة الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها في الدول الكبرى مما أحدث تعافي اقتصادي قوي وبسرعة لم تكن متوقعة حيث حقق الاقتصاد العالمي نمواً إيجابياً بلغ 5,9% فزاد الطلب عن العرض ولم تستطع الصناعة أن تواكب النمو السريع والهائل في الطلب حيث إعادة تشغيل الطاقات المتوقفة يحتاج إلى بعض الوقت وهو الوضع الذي أدى إلى طفرة في أسعار منتجات وخامات الصلب.
ويقول طارق عبد العظيم رئيس مجلس إدارة شركة إحدى شركات الصلب إن سعر الخردة شهد صعودا كبيرا – المادة الأساسية المستخدمة في أفران الصهر الكهربائية – خلال هذا العام وبمعدل 42 % ليصل السعر إلى 654 دولارا/طن بنهاية شهر مارس، كما ارتفع سعر البيليت 260 دولارا (41%) ليصل إلى 890 دولارا/طن.
وفي الوقت نفسه، زاد سعر تصدير حديد التسليح من تركيا – وهو المؤشر الرئيسي للأسعار العالمية – بنسبة 41 % ليصل إلى 960 دولارا/طن فوب وكانت أكبر الزيادات التي شهدتها الصناعة في مسطحات الصلب المدرفلة على الساخن والتي ارتفعت بنسبة 60 %؛ حيث وصلت إلى 1295 دولارا/طن فوب هذه الأسعار كانت الأعلى على الإطلاق منذ 14 عاما، أي منذ الأزمة المالية العالمية في 2008. ومع بداية عام 2022 استمرت أسعار الصلب في ارتفاعاتها التاريخية مدفوعة بالزيادة في أسعار الطاقة حيث شهدت أسعار الكهرباء أعلى مستوياتها على الأطلاق حيث سجلت 20 سنت يورو للكيلو وات ساعة (طبقاُ لتقرير مؤسسة IHS Markit) كما بلغ سعر البترول ضعف قيمته منذ عام بسعر 86 دولارا للبرميل كما ارتفع سعر الفحم بأكثر من 80% ليصل إلى 350 دولارا للطن، وهكذا كانت أسعار الطاقة هي المحرك الرئيسي لأسعار الصلب قبل غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير.
وأشار إلى أنه في ظل هذه الظروف بدأت الحرب الروسية ـ الأوكرانية وما تبعها من فرض عقوبات دولية شديدة التأثير على الاقتصاد الروسي وأهمها هو عزل روسيا عن النظام المصرفي الدولي المعروف باسم سويفت وهو الذي يسمح لروسيا بتلقي الأموال وإرسالها من خلال البنوك الدولية، ما يعني شل حركة روسيا في التجارة الدولية وعدم قدرتها على إبرام صفقات تجارية. والعقوبة الثانية هي مقاطعة المنتجات الروسية وعلى رأسها منتجات الصلب ومنعها من دخول الأسواق الأوروبية والأمريكية.
وفي الوقت نفسه، فقد تم تدمير البنية التحتية والقاعدة الصناعية في أوكرانيا ومنها مصانع صلب، أي أن المعروض العالمي من منتجات الصلب قد تم خفضه بمقدار إنتاج روسيا وأوكرانيا والذي بلغ 92 مليون طن عام 2020 بما يمثل 5% من الإنتاج العالمي طبقاً لإحصاءات منظمة الصلب العالمية. كما تساهم هاتين الدولتين بنسبة الثلث من حجم التجارة الدولية في البيليت والبالغة 54 مليون طن سنوياً.
وأضاف أنه على المستوى المحلى فقد كانت روسيا وأوكرانيا المصدر الرئيسي لتوريد البيليت وبنسبة حوالي 80% من الإجمالي خلال السنوات 2019-2021 حسب المصادر الدولية (ISSB) ونتج عن ذلك ليس فقط تحول مجري التجارة العالمية للبيليت من البحر الأسود لتركيا – وهي من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للصلب - وإنما أيضاً زيادة أسعاره بصورة حادة بلغت نسبتها 30% خلال شهر واحد فقط، من 715 دولارا للطن سيف إلى 920 دولارا للطن سيف، وبناء عليه تبلغ تكلفة استيراد البيليت من تركيا الآن 19 ألف جنيه (شامل الضريبة) كما ارتفعت أسعار تصدير حديد التسليح وبنفس النسبة، من 770 دولارا للطن سيف إلى 995 دولارا للطن سيف، كما ارتفعت أسعار الخردة بمعدل 29% أيضاً نتيجة خروج روسيا وأوكرانيا من السوق العالمية؛ حيث ساهمت بنسبة 5% من إجمالي التجارة العالمية والبالغة مائه مليون طن سنوياً، حيث ارتفعت من 507 دولارات للطن سيف إلى 654 دولارا للطن سيف.
وهذا التحليل يطرح سؤالا مهما وهو ما تأثير ذلك على تكلفة صناعة حديد التسليح في مصر منذ بداية الأزمة في 24 فبراير وهل تتماشي الزيادات السعرية مع زيادات التكلفة؟
ويجيب خبراء صناعه الصلب عن هذا السؤال بأنه بالنسبة لزيادات التكلفة فقد تأثرت بعاملين أساسيين وهما زيادة أسعار الخامات إلى جانب ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه بحوالي 2.6 جنيه ليصل إلى 18.35 جنيه وبنسبة زيادة بلغت 16%، ونتيجة لهذين العاملين فقد ارتفعت تكلفة استيراد الخامات من خردة وبيليت بقيم ترواحت ما بين 4600 للخردة و 6450 جنيه للبيليت للطن، ترتفع تلك القيمة عند حساب معدل التحويل والمهدر من الخامات أثناء العملية الصناعية والتحويلية، بينما تراوحت الزيادات السعرية لحديد التسليح بالسوق المحلي خلال نفس الفترة ما بين 4200 – 6000 جنيه.
وبهذا يؤكد الخبراء أن الأسعار المحلية تعكس تحركات الأسعار العالمية على الرغم من حدة الزيادات والناتجة ليس فقط عن ارتفاع أسعار الخامات وإنما أيضاً عن ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه وهو ما زاد من تأثير الزيادات السعرية في السوق المحلية؛ حيث من المعروف أن جميع خامات صناعة الصلب تقريباً يتم استيرادها من الخارج وبالتالي فهي تتأثر بشكل كبير بالأسواق العالمية وارتفاع الدولار.