Close ad

أسامة سرايا يكتب: عاطف حزين.. عنوان آخر لـ «الأهرام العربي»

6-4-2022 | 21:56

حرمنا منه المرض، واختطفه الرحيل المبكر، أحد كوكبة الموهوبين من الصحفيين المبدعين الذي اخترناه واختارنا وانضم مع فريق المؤسسين، وكانت صفحته «نقطة حبر» في الصفحة الأخيرة في إحدي المجلات السعودية، إشارة لي على عبقرية أسلوبه، وعجينة كتاباته، يكتب بلغة سهلة وجميلة، تصل إلى القارئ من أقرب طريق، وتنتقل من نقطة إلى أخرى مصحوبة بجملة أنيقة، وكلمات معبرة، تصاغ بجمال يعكس روح القصة المكتوبة، فهو صحفي من أصحاب الأساليب في الكتابة، وتلك موهبة نادرة، وتنم عن الإبداع المهني لصاحبها، فتكلمت مع محمد حبوشة، مدير التحرير، الذي كان يختار معي فريق المجلة، عن عاطف حزين، ابن أخبار اليوم، وكانت فلسفتنا اختيار المبدعين في كل مكان، لنكون فريقًا ينتصر في عالم الصحافة، ويقدم الجديد للقارئ الذي نتطلع لكي نكسبه، فقلت له هل يقبل الانتقال إلى الأهرام، والانضمام إلى المجلة الوليدة؟ كنت مترددًا، وحين أخبره حبوشة قابلني بكلمات محددة، وقد كان قليل الكلام، اخترتني واخترتك، سوف أنتقل معكم على بركة الله، والمولود الجديد سوف يكبر وينافس في عالم المهنة الصعب، الذي لا يرحم ويطلب الجديد مع كل إصدار يومي وأسبوعي.
 
عاطف حزين، صحفي من طراز نادر يفكر في قصته وكتاباته طوال اليوم، في حركته وسكناته، لا يكل ولا يمل، المهنة والقصة الصحفية هما حياته، فهو محقق متفرد، وأكسبته حياته في بورسعيد وبور فؤاد، شخصية إنسانية، تجعله يشعر بكل الناس، كان من المهاجرين بعد 67، فاكتسب البعد الإنساني في كل مراحل حياته، يفكر بعمق، ويقيس قراره بما يحقق المعادلة الصعبة، لا تقبل الخطأ، وتأخذ في اعتبارها كل الاعتبارات الوطنية، تحس في جلساته وحواراته بأنه مصري أصيل متشبع بالروح الوطنية، لكنه لم يكن أبدًا من أصحاب الشعارات، برغم أنه يفهمها، ويحاول أن يشرحها لنا.
 
في انتخابات نقابة الصحفيين، كان يبادرني بالحديث أن هناك حزب الجنينة، نسبة للصحفيين الجالسين في حديقة النقابة، فقلت: «هم عندهم بطالة ولا إيه»، كان مدافعًا عنهم، شارحًا وجهة نظرهم الغائبة عند الكثيرين، إنهم لم يجدوا من يدفعهم للمشاركة والتفاعل، إنهم أكثر المنتجين نقابيًا ومهنيًا، وتفهمت رؤاهم، وكانت صحيحة إلى حد كبير.
 
كنت أصدقه دومًا وأشعر به، وكثيرًا ما تركت مكتب أمين الصندوق بالنقابة، الذي كنت أشغله، لكي أنضم إلى فريق عاطف حزين وزملائه في حزب الجنينة، وحديثهم الشيق الذي لا يتوقف عن مستقبل الصحافة، ورؤاهم لتطويرها، التي حرمنا منها، بعد إنشاء النقابة الجديدة.
 
نجومية عاطف حزين الصحفية، جمعت بين شخصيتي “الأهرام وأخبار اليوم”، العمق والجمال معًا، عندما نختار شخصًا للتحاور معه، كنا نختار عاطف حزين، فهو الأقدر على المحاورة، وتكوين القصة الكاملة.


الكاتب الصحفي عاطف حزين
 
كنت أراه نبيلا وموهوبًا، وكان يمثل نوعًا من الملائكة، لا يتحدث عن أحد إلا بالخير، وإعطاء البعد الغائب الذي يساعدنا على تفهمه، لم يكن يومًا صانعًا للتوتر أو المخاوف، بل كان قادرًا على تذليل المشاكل، واختيار العناوين والقصص الجميلة التي تنقذك في الوقت المناسب والسريع، لتخرج مطبوعتنا - كما نريد - شيقة وجميلة وجاذبة للقارئ.
 
كان أكثر الناس دقة في الصياغة والكتابة، لا يقبل إلا الكتابة الدقيقة، إذا وجد أمامه قصة صحفية مكتوبة بلغة الكلام يعيد كتابتها من جديد، وينسبها إلى صاحبها، كثيرًا ما قلت له ضاحكًا: اكتبها باسمك، أنت تصنع من الفسيخ شربات، يقول: لا أبدًا، هي كانت ناقصة شوية ملح وحبكة، وهي عندي، أنا لم أعمل شيئًا، أضحك وأقول، سادة الصحافة الحقيقيون هم ملاك الصياغة والكتابة، وأنت يا حزين من سادتها، أو سدنتها، المهن على أكتافكم تحيا وتعيش وتنتشر الصحف والمجلات، كان قنوعًا، محبًا لزملائه، منتميًا لما يعمل، وأجمل شيء في مهنتنا هو الانتماء، انتمى لأخبار اليوم، وهو يعمل هناك، وانتمى للأهرام العربي بعد انتقاله، ثم انتمى للأهرام وقسم التحقيقات عندما انتقل هناك.
 
فهو الصحفي المحترف بجد، والإنسان الخلوق الجاد، لم أره يومًا يشكو، أو صاحب تطلعات في هذه الدنيا، إلا تطلعه أن يكتب شيئًا جميلا مفيدًا للناس في كل مكان، لم يكن ممكنًا هزيمة شخصية على هذا المنوال، لكن المرض اللعين لاحقه وأصابه، كنت عندما أقابله بعد مرضه، أتذكر الأستاذ الكبير أحمد بهاء الدين، الذي أصيب هو الآخر بنفس المرض، الذي يصيب الذاكرة، ويؤثر على كل قدرات الجسم والحركة، وظل صاحبه يذبل إلى أن يتوفاه الله وينتقل إلى رحابه، لكن عاطف حزين كان من كبار المؤمنين الخلوقين الصابرين على المحن، صبر على التهجير، وصبر على المرض، ويظل يحاول في مهنتنا يكتب ويشرح للزملاء الجدد، كيف يكتبون ويعملون ويفكرون، إنه نسيج وحده، فهو شخصية فريدة بحق، سوف نتذكرك دومًا، عاطف حزين “مجلتك الأهرام العربى، والأهرام، وزملاؤك في الأخبار يقدرون عاطف حزين”، ويعتبرونه علامة مهنية وصحفية مضيئة في تاريخنا لا تنسى، ويحصل على التقدير والاحترام الكاملين، إنسان حلو المعشر، جميل الطوية، وملاك طائر عاش بين الناس وفي الحياة، 62 عامًا بحلوها ومرها، ولم يتذمر، وأدى حياته بصبر ودأب ورباطة جأش نادرة ومثالية، وإنسانية متدفقة ورقيقة محبة للجميع، مقدرة لكل الظروف، عاطف حزين أنت كنز إنساني في حياتنا لم نكتشفه، ولحظة الرحيل تدفقت مثل النهر لا يتوقف، مذكرًا للجميع كل تلك المعاني السامية التي حملتها في رسالة الحياة التي عشتها معنا.. رحمك الله وقدر مسيرتك.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة