كلنا نبحث عن السعادة ونريد مصافحتها بل احتضانها بقوة والقبض عليها بأصابعنا العشرة دون أن يترك أحدنا الآخر طرفة عين ولكن الكثير منا إما أنه يجهل الطريق إليها أو أنه يبحث عنها في الطريق الخاطئ مثل أن يظن السعادة تكمن في جمع المال فينفق عمره في سبيل تكوين الثروة ليكتشف في نهاية المطاف أنها لم تحقق له شعور السعادة الذي كان ينشده.
موضوعات مقترحة
ولو تدبر الإنسان الركن الثالث من أركان الإسلام سيجده أكبر أبواب السعادة الذي يُفتح أمام الراغب دون إذن أو طلب فكل ما عليه فقط هو السير في طريق الصدقة والزكاة وهو ما توصلت إليه دراسات علمية جديدة حيث وجد بعض علماء النفس أن أعمال البرّ يمكن أن تكون أقصر الطرق للوصول إلى السعادة وأن أعظم المتع على الإطلاق يمكن أن تتحقق بالتبرع بالمال، إما لشخص تعرفه أو للجمعيات الخيرية.
وبتدبر القرآن الكريم سنجد أن الله سبحانه وتعالى أهدانا طريق السعادة في الركن الثالث من أركان الإسلام وهو الزكاة فقال في سورة التوبة :"خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا".
"وتزكيهم بها" تعني وتنميهم وترفعهم عن خسيس منازل أهل النفاق بها إلى منازل أهل الإخلاص، فتخيل شعورك النفسي والروحي وقد رفعك الله إلى منازل أهل الإخلاص !
السعادة
علميًا يقول الدكتور وليد هندي استشاري الطب النفسي في حديثه لـ"بوابة الأهرام" إن جميع الدراسات النفسية والسيكولوجية التي أجريت على هذه الآية الكريمة أثبتت أن الزكاة تنمي لدى الإنسان الشعور بالسعادة والراحة والهدوء والطمأنينة .
كما أن شعور العطاء عندما تمنح غيرك ما هو بحاجة إليه يختلف عن شعور التلقّي فاليد العليا لها أثر نفسي على مفهوم الإنسان نحو ذاته فتكون لديه الذات الإيجابية وتزيد من ثقته في نفسه وتنعكس بصفة عامة على تهدئة حدة القلق لديه .
أسباب السعادة
للزكاة والصدقة شعور سريع المفعول يستشعره صاحبه في الحال من شدة تأثير هذا الشعور بالإيجاب على النفس والروح لجأ معظم الأطباء في أوروبا إلى علاج الاكتئاب بالصدقات حيث ينصحون من يعاني منه بالنزول إلى الفقراء والمساكين ودور الأيتام والقيام بأعمال البر تجاههم .
ويشير الطبيب النفسي في حديثه لـ"بوابة الأهرام" إلى دراسة أجريت في إحدى الجامعات الأوروبية على الطلاب الذين يقومون بالزكاة والصدقة فتم أخذ عينة من لعاب كل طالب عقب تصدقه وبعد تحليل هذه العينات وجدوا أن هرمون السعادة لدى هؤلاء الطلاب قد ارتفع وهذا الهرمون يزيد الشعور بالسعادة والمتعة وبالتالي فهو يخفض الشعور بالاكتئاب.
وباعتبار أن الأصل في الإنسان هو الأنانية فعندما يعطي ويمنح غيره يصبح أمام عملية نفسية من النوع الأول تحتاج نوع من الممارسة والإرادة والتدريب وهناك عوامل مساعدة كإدراك أن الإنسان البخيل دائمًا ما يكون منبوذًا من الآخرين ومنعزل اجتماعيًا بعكس الإنسان المعطاء الذي يتزكى ويتصدق ويتبرع للفقراء والمساكين وذوي الحاجات فنجده منصهرًا في دائرة الجماعة متآلفًا مع نسيجهم فضلًا عن شعوره بالسعادة الذي يعيشه بمجرد مساعدة الآخرين.
الطريق إلى السعادة
وإضافة إلى السعادة التي تحققها كل من الزكاة والصدقة على المستوى الفردي لمن يقوم بها فإنها تحقق السعادة أيضًا على المستوى الجماعي فتخلق نوع من التكافل الاجتماعي عندما يلتزم كل إنسان بإخراج الزكاة في الموعد المحدد لها وهو مرور عام على المال الذي يملكه "مع تعدد مصارف الزكاة" سنجد أن كل يوم من أيام العام سيكون موعد إخراج الزكاة عند أحدهم فتشهد أيام السنة زكاة على الفقراء والمساكين فيجدون حاجتهم قبل أن تضيق بهم أنفسهم ودون أن يطلبون وهو ما يخلق نوع من أنواع التكافل الاجتماعي الذي يصاحبه سلم وهدوء اجتماعي أيضًا.
أثر الصدقة
وتوصلت الأبحاث العلمية في أوروبا إلى أن الإنسان الذي يتصدق ويزكي يتولد لديه شعور الشعور بالرضا ويتمتع بجهاز مناعة قوي يجعله أقل عرضه للإصابة بالأمراض وتنشط لديه الدورة الدموية وتقوى عضلة قلبه وينضبط ضغط دمه وتتراجع التهابات القولون ويُستشفى من القرحة المعدية بل إن سلوك الزكاة والصدقة يجعل صاحبه يستشفى من مرض السرطان إذا كان مصابًا به لأن شعور الرضا والسعادة الذي يعقب الصدقة والزكاة ويترتب عليه تقليل حدة القلق والتوتر والضغط يحسن من كفاءة جهاز المناعة فتسير خلايا الإنسان في مساراتها الطبيعية وبالتالي يُشفى من السرطان وهذا ليس بجديد حتى ولو توصل إليه العلماء حديثًا فقد أخبرنا به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندما قال: "دَاوُوا مَرضاكُمْ بِالصَّدقةِ".
يواصل استشاري الطب النفسي حديثه لـ"بوابة الأهرام" فيقول إن كل إنسان لديه خبرات لا يمكن لأحد مهما كان طبيبًا أو خبيرًا أن يمحوها مثل خبرة الفقدان الذي وصفها بأنها أشد خبرات الألم على النفس وأصعبها وأقساها إلا أن الصدقة ككفالة يتيم أو مساعدة الفقراء وإطعام ذوي الحاجات هي أكثر علاج مؤثر في التخفيف من حدة خبرة الفقدان المؤلم .
ويضيف :"عندما يأتي أحد المرضى إلى العيادة يعاني من خبرة الفقدان المؤلم بعد وفاة شخص عزيز أنصحه بالتصدق على روحه والزكاة وأعمال البر والتقوى وبعد عودته مره أخرى أقيس لديه حدة القلق والتوتر فأجدها قد تراجعت كثيرًا نتيجة تلاحمه مع الفقد من خلال جسر كبير من المودة والرحمة وهو الزكاة".
الزكاة أيضًا تشفي من أمراض خطيرة كالغل والحقد والغيرة والحسد فعندما يحصل الفقراء والمساكين وذوي الحاجات على نصيبهم من الزكاة التي فرضها الله على القادرين سيلتف حول المتزكي أو المتصدق حبًا وودًا ورضا خاصة عندما يخبره الأول أنه لا يمن عليه وإنما يمنحه حق الله المخصص له فيما رزقه.
وعندما يؤدي كل مسلم فريضة الزكاة سنجد المجتمع أمام 365 يومًا زكاة وعطاء ورحمة ومودة وتلاحم مع الآخر فيصبح مجتمعًا متماسكًا ومتكاملًا يعيش في أزهى الصور النفسية إذ لا حقد ولا غل ولا تربص لأن الجميع ينعمون بنفس هادئة مطمئنة.
الرضا والهدوء والسكينة
في النهاية الطريق إلى السعادة ليس شاقًا ولا قاسيًا هو فقط يتطلب منك بعض التغييرات الطفيفة في مخصصات الإنفاق حتى ولو كانت خمسة جنيهات قد يكون مبلغًا متواضعًا بالنسبة لك لكنه سيقضى حاجة لفقير أو مسكين وسيرفعك إلى منازل أهل الإخلاص ويدر عليك شعورًا بالرضا والسعادة والهدوء والسكينة غير منقطع فاستثمر في هذا الطريق الآمن جدًا.