د. عادل عبدالصادق: تروج للتدين الشكلى بهدف الربح.. وعلى المؤسسات الدينية سد الفجوة داخل الكتلة الحرجة
موضوعات مقترحة
د.بهجت رشوان: اختلال اجتماعى وتصدع فى العلاقات الأسرية.. ورمضان فرصة ذهبية للعلاج
د.محمد عبد الفتاح: الحل فى السيطرة على تنبيهات المحمول.. والقدرة على الفلترة
مع قدوم شهر رمضان الفضيل، تتلقى هواتفنا المحمولة موجات متتالية ومتسارعة من التطبيقات الذكية التى ترتبط بشهر رمضان، سواء من خلال برامج الذكر المنظم، أم أداء قيام الليل، وذلك لانتهاز الشهر الفضيل فى ضخ مواعظ دينية على نطاق واسع، بتلك التطبيقات التى تساعد فى التذكير بأوقات الإفطار، والسحور، من خلال المسحراتى الرقمى، أو بالأذكار الدينية الصباحية والمسائية، أو بمواعيد البرامج الدينية على القنوات الفضائية، أو بأية معلومات دينية، وصولا إلى تطبيقات التهانى الرقمية ومسابقات الفوانيس الذكية، وحتى ألعاب الأطفال وغيرها من تطبيقات ذكية رمضانية أو مرتبطة بالدين أو الطقوس الدينية، أو الاجتماعية لشهر رمضان فى العصرالرقمى.. كيف أثرت الوسائط الذكية على عادات وتقاليد مجتمعاتنا العربية فى رمضان سلبا وإيجابا، وكيف نستفيد من معطيات التقدم التكنولوجى، وفى الوقت نفسه نحافظ على التقارب العائلى والدفء الاجتماعى فى الشهر الفضيل؟ وغيرها من القضايا التى نبحث لها عن إجابات مع عدد من الخبراء عبر هذا التحقيق.
يقول د. عادل عبدالصادق، خبير الذكاء الاصطناعى والفضاء الإلكترونى عن كيفية توظيف التكنولوجيا الذكية فى ممارسة طقوس رمضان: إن العلاقة بين التطبيقات الذكية أو التكنولوجيا بشكل عام وبين الدين أو الظاهرة الدينية، ومن بينها شعائر وطقوس شهر رمضان المبارك، هو أمر ليس بجديد، لكنه يتطور مع تطور التطبيقات الرقمية وتوسع نطاق مستخدمى الانترنت من ناحية، ومن ناحية أخرى اتساع نطاق المستخدمين لهذه التطبيقات التى تحاول أن تستخدم الدين كأداة للانتشار، أو وسيلة لاتساع الممارسة الدينية، وبالفعل فإن التطبيقات الذكية قد جذبت ليس فقط المؤمنين بالدين أو الممارسين له بل أيضا فئات كثيرة، وقام هذا الارتباط من خلال ضخ المعلومات الدينية، وتقديم الرد على ما قيل من الشبهات أو التساؤلات حول الدين أو حول ممارسات الدين بشكل عام، وانتشار التطبيقات الذكية العديدة ذات الخلفية التى تستخدم الدين بطريقة أو بأخرى، تجعلنا أمام ظاهرة بدأت تتسع بشكل كبير مع توسع استخدام هذه التطبيقات الرقمية بخصوصا المرتبط بأجهزة الهواتف المحمولة.
ويضيف، هنا يثار التساؤل: هل هذه التطبيقات الدينية الذكية، إن جاز القول، هل ساعدت فى تصاعد حالة التدين، والأهم المعرفة الصحيحة بالدين؟ أم إنها روجت للمزيد من مظاهر التدين الظاهرى الذى يرتبط بمقدارفقط ما يقوم به المستخدم من مشاهدة المقاطع الدينية، أو تنزيل هذه المقاطع على هاتفه المحمول، وإعادة نشرها بين أكبر عدد ممكن وكلما زاد العدد كثر الثواب، أو الدخول إلى المواقع الدينية، أو التسابق فى عمل مجموعات مليونية لدعاء معين؟
هنا أعتقد أن هذه الأرقام وهذه الاستخدامات سواء بقياس نسبة التحميل أم بقياس نسبة المشاهدات للمقاطع الدينية، أعتقد إنها لا تترجم بالضرورة على أنها اتساع لدائرة التدين داخل الشعب أو فى أوساط المؤمنين، بل تؤشر إلى أن عمليه استهلاك المحتوى الدينى بشكل عام لا ينعكس بالضرورة على اتساع نطاق التدين داخل المجتمع.
استثمار
ويلفت د. عادل عبد الصادق النظر إلى أن هناك العديد من التطبيقات الذكية التى تسعى للاستثمار وتحويل المحتوى الدينى إلى ماده منتجة، ويتم تحويلها إلى عائدها لصالح من يقف وراء هذه التطبيقات الرقمية سواء كانت شركات عابرة للحدود أم شركات محلية أو إقليمية، فنحن الآن أمام ظاهرة تسليع الدين أو تحويل المحتوى الدينى إلى سلعة تباع وتشترى، حيث يتم ضخ العديد من الإعلانات حول هذه التطبيقات الدينية من أجل اتساع المستخدمين لها، وبالتالى اتساع نطاق الأرباح، وأعتقد أننا هنا أصبحنا فى أشد الحاجة، لبحث هذه الظاهرة وكيفية التعامل معها بشكل جيد ومتوازن من قبل المستخدم.
وعن إيجابيات وسلبيات هذه التطبيقات الدينية الذكية يرى د.عادل عبد الصادق، أن من إيجابيات هذه التطبيقات الرقمية المرتبطة بالمحتوى الدينى العمل على إحياء المعرفة الدينية مره أخرى، خصوصا مع استغلال الأجواء الروحانية العالية لشهر رمضان المبارك، مع تنوع هذا المحتوى بحيث لا يقتصر المستخدم فقط على تلقى المعرفة الدينية داخل المساجد أو عبر فئة محددة من الفقهاء والمشايخ، لكن تمكنه هذه التطبيقات الذكية من أن يحصل على المعرفة الدينية من خارج نطاق هذه المؤسسات ومن خارج نطاق الفاعلين الدينيين التقليديين، عبر الحصول عليها من مواقع إلكترونية أو تطبيقات ذكية أو من فاعلين مؤثرين من خارج الحدود بالذات على شبكات التواصل الاجتماعي.
ويواصل: أيضا من ضمن الإيجابيات أنها ساعدت على رفع المستوى الظاهرى فى استهلاك المعرفة الدينية، لكن - كما قلت - إن هذا الأمر متوقف على هل تتحول المعرفة الدينية إلى ممارسة حقيقية للدين داخل المجتمع وفى معاملات وسلوكيات وأخلاقيات الشارع، بما ينعكس على تحسين السلوك المواطن، إلى ممارسة حقيقية، وليس فقط مجرد استهلاك لهذا المحتوي، وحتى إن حدث هذا فى رمضان هل يستمر بعد انتهاء شهر الصيام الفضيل، ليصبح رويدا رويدا أسلوب حياة؟
مواجهة
فى المقابل يؤكد د. عبد الصادق أنه على قدر ما مثلت هذه التطبيقات ميزة نسبية على صعيد نشر المعرفة الدينية، فإنها أفرزت سلبيات عديدة تتعلق بأنه من يقدم هذه المعرفة الدينية الرقمية ليس بالضرورة أن يكون من خلفية دينية أو أن يكون دارسا لعلوم الدين أو الشريعة الإسلامية، لكنه يتعامل مع المعرفة الدينية على أنها محتوى يمكن تجهيزه وإلقاؤه بشكل مباشر للمستخدمين بدون فحص أو تمحيص، فالمهم هنا قدرته على إيصال المعلومة بشكل سلس للمتلقى بغض النظر عن مدى تأهيله للحديث فى الدين بشكل عام، بل إن البعض قد يستغل ذلك فى غرس أو نشر أفكار هدامة أو متطرفة تحت ستار الدين.
مؤسسات
وحول كيفية الحد من هذه المخاطر، يقول د.عادل عبد الصادق: من الصعب القول بأنه يمكن التخلى تماما عن هذه التطبيقات لأنها اخترقت حياة العديد من البشر وليس فقط فى منطقتنا، لكن فى العالم أجمع نتيجة إلى أن هذه التطبيقات الذكية أصبحت ترتبط بخدمات الناس وحياتهم واستهلاك الأخبار وما شابه ذلك، وتلقى الخدمات الحكومية وغيرها، لكننا هنا نتحدث عن كيفية الموازنة بين مزايا استخدام هذه التطبيقات، واستهلاك هذا المحتوى، مع الحد من مخاطر هذا الاستخدام بتنمية قدرة المستخدم على التعاطى الصحيح مع ما يتلقاه من معلومات دينية عبرها.
ومن ناحية أخرى، أن يكون هذا الفرد قادرا على التطبيق العملى لما يتلقاه من المحتوى الدينى وأن يحول المعرفة الدينية إلى سلوك واقعى فى حياته العملية، مشيرا إلى أن هذا الأمر أصبح مدركا من المؤسسات الدينية مثل مشيخة الازهر، ودار الإفتاء، ووزارة الأوقاف، والمؤسسات المعنية بالدين، التى أيقنت أنه من الأهمية بمكان أن توجد بقوة وفاعلية عبر شبكات التواصل الاجتماعى، أو من خلال امتلاك تطبيقات رقمية دينية ذات محتوى صحيح وإيجابى، وأن ترتبط هذه التطبيقات بالكتلة الحرجة من الشباب الذين يستخدمون هذه التطبيقات، ب ما يتيح لهم الوصول بسهولة ويسر إلى المؤسسات الدينية لسد فجوة المعرفة الدينية لدى هؤلاء الشباب، من اجل وصول المعرفة الدينية الصحيحة لهم، وسد الأبواب أمام الجماعات الدينية المتطرفة التى تحاول أن توظف هذه التطبيقات لخدمة أغراضها الخبيثه ضد الدين وضد المجتمع..حيث تنتهز مناسبات دينية مهمة مثل شهر رمضان للتصعيد من أنشطتها المدمرة.
تحذير
وعن تأثير هذه التطبيقات الذكية على العادات والقيم الاجتماعية فى رمضان، يقول د. بهجت رشوان، عميد المعهد العالى للخدمة الاجتماعية بسوهاج: الوسائط الذكية فى العصر الحالى أمر واقع فرض نفسه، وأصبح ضرورة ملحة وفى الوقت نفسه أثر على قيم وعادات وتقاليد المجتمع سواء فى رمضان أم غيره من شهور العام تأثيرا مزدوجا، فالعادات والتقاليد والقيم التى كانت موجودة فى عصر ما قبل الرقمنة تغيرت كثيرا بعد انتشار وتطور الوسائط الذكية والرقمية، فبقدر ما أتاحت الوسائل الذكية تبادل الثقافات والمعارف بشكل سريع، والتعرف على عادات وتقاليد المجتمعات الأخرى بشكل وثائقى سهل ومبسط، وتحصيل كم أكبر من المعلومات، والاطلاع على بحوث ودراسات متخصصة فى تقييم وتحليل العادات والتقاليد المجتمعية العربية ومعرفة نقاط القوة والضعف، بقدر ما تسببت فى اختلال اجتماعى كبير فى ترتيب أدوار أفراد الأسرة، وتصدع العلاقات الأسرية، والتقليد الاعمى للآخر فى المأكل والزى والمظهر العام وظهور تقاليع غريبة لم تكن موجودة من قبل، وظهور ما يسمى بالاغتراب النفسى والاجتماعى، تعد عادات المجتمع الرمضانية بعلاقاتها الأسرية الدافئة ثمثل فرصة ذهبية لعلاج ذلك.
ويحذر د.بهجت رشوان، من إهمال خطورة تأثيرات الوسائط الذكية على الصعيد الاجتماعى، التى اخترعها الإنسان لا ليصبح مجرد تابع لها، وتصبح هى المتحكمة والمسيطرة عليه، لكن لكى يطوعها بما ينفعه ولا يضره.
فلترة
من جانبه يرى د. محمد عبد الفتاح مصطفى، الخبير التربوى، بأن مشكلة التطبيقات الذكية وتأثيرها على الممارسات الرمضانية التقليدية، أكثر وضوحا على قطاع الشباب الذى يفرط فى استخدامها، إلى درجة قد تعزله عن محيطه الأسرى، حتى فى هذا الشهر المبارك المعروف بشهر العائلة المصرية.. فهذا صديقٌ أعجب بصورةٍ لك على إنستجرام وآخر هاجم تعليقك على الفيسبوك، وثالث أشار إليك فى تويتة على تويتر، وهكذا لا تتوقف الإشعارات عن اقتحام هواتف الشباب المحمولة.
وعن الحل يرى د. محمد عبد الفتاح، ضرورة تحفيز الصبية الصغار بالحد من استخدام الهاتف المحمول خلال شهر رمضان، ولتكن البداية بإيقاف تنبيهات المحمول، وإغلاقه، أو جعله على وضع «صامت» فى فترات معينة مثل بعد الفجر وبعد العصر، وبعد صلاة التراويح مثلا، تمهيدا لجعل هذا يستمر على نحو ما بعد انتهاء شهر الصيام، أما الشباب الأكبر سنا، فيستحيل التحكم فى استخدامهم للأجهزة الذكية، لكن يجب استثمار شهر رمضان فى تبصيرهم بخطورة سلبيات هذه التطبيقات، والأهم تأهيلهم ليكونوا قادرين على فلترتها بما يتناسب مع قيم وأخلاقيات وروحانيات الشهر الكريم، وصولا إلى الاقتناع الذاتى من جانب الشباب بإزالة التطبيقات السيئة أو السلبية، والإبقاء على التطبيقات الذكية الإيجابية، والمفيدة مثل التطبيقات التى تساعد على تحسين الأدء الدراسى أو التى تؤدى إلى تطوير المهارات العملية، وهو النهج الذى يبدأ احتراما لخصوصية الصيام، على أن يظل منهجا مستمرا فى التعامل الإيجابى مع التطبيقات الذكية حتى بعد انتهاء شهر رمضان.