شهدت مصر ولا تزال طوال السبع سنوات الأخيرة نهضة وتنمية في كافة المجالات وعلى كافة الأصعدة وفي مختلف مناحي الحياة صحة وتعليم وتنمية ومشروعات عملاقة، إلى آخره من المشروعات التنموية التي يجري تنفيذها في كل بقعة من أرض المحروسة، والسؤال هنا هل واكب هذه النهضة التنموية غير المسبوقة تغيير في ثقافة وعادات وتقاليد المصريين، أم لا تزال ثقافة "الفهلوة" و"اخطف واجري" هي السائدة ولم يتم استبدالها بثقافة إعلاء قيمة العمل والبناء والتفوق والإنجاز.
وقبل أن أجيب عن هذا التساؤل، يجب أن نعرف ما هي الثقافة، وأبسط تعريف للثقافة هو "كل حاجة يتعلمها الإنسان مع الوقت منذ نعومة أظافره إلى أن يصل إلى أرذل العمر، أو بمعنى آخر كل ما يكتسبه الإنسان من معرفة ومن لغة ومن تعليم ومن عرف ومن عادات وتقاليد طوال مشوار حياته"، كما أن الثقافة تختلف من مجتمع إلى آخر ومن الريف عن الحضر عن البادية، كما أنها تختلف من دولة إلى أخرى.
كما أن الثقافة من الممكن أن تتغير مع الوقت ولكنها تحتاج إلى سنوات، بعكس المعتقد الذي يعد من الثوابت، فعلى سبيل المثال لا الحصر عقيدة الجيش المصري "النصر أو الشهادة"، وعقيدة المصريين القدماء "البعث من جديد" لذلك كانوا يقومون بتحنيط الموتى وحفظ جثامينهم، إيمانا منهم بعودة الروح إليهم مرة أخرى، والمعتقدات لا يمكن الاقتراب منها، فهي من الثوابت غير القابلة للتغيير.
ومن وجهة نظري الشخصية لم يواكب ما تم من إنجاز على أرض الواقع تغيير ملموس في ثقافة وسلوكيات، لا أقول كل الشعب المصرى، ولكن في شريحة ليست بقليلة من المصريين، وكلنا يرى ما يفعله أثرياء الأزمات من التجار الجشعين الذين يقومون برفع الأسعار بشكل غير مبرر، بدلا من إعلاء المصلحة العامة وتبني سياسة التكافل والرضا بمكسب معقول، بدلا من الاستغلال والجشع واتباع سياسة "اهبش واجري" أو "أنا ومن بعدي الطوفان" ولا يعلم أثرياء الأزمات أننا نعيش في مركب واحد، يجب أن يقوم كل شخص بدوره حتى نواصل التجديف نحو بر الأمان.
وبما أن القيم جزء من الثقافة نحتاج الآن وقبل أي شيء أن نعلي قيمة العمل والإنجاز والإبداع والابتكار، وأن نبادر بتعليم النشء حب الحياة من خلال توفير كل مقومات حب الحياة أمامهم سواء في البيت أو المدرسة أو الشارع، لأنهم باختصار لو أحبوا الحياة لأحبوا الوطن الذي علمهم حب الحياة.
نحتاج في الجمهورية المصرية الجديدة أن نودع وإلى الأبد ثقافة استحلال المال العام، والتعدي على أراضي وأملاك الدولة والتهرب الضريبي، والحصول على منافع أو مكتسبات من الدولة بدون وجه حق، وأن من يفعل ذلك "لص" ومجرم يقع تحت طائلة القانون.
أضف إلى ذلك أننا في أمس الحاجة إلى تبني أفكار وبرامج جديدة تعمل عليها كل مؤسسات الدولة لكي نغير ثقافة "كل ولد بييجي برزقه"، ويجب أن يعرف الجميع أنه مفهوم خاطئ عفا عليه الزمن، ولم يعد يواكب إيقاع الحياة ولا متطلباتها، لأن كل مولود جديد لكي يعيش حياة كريمة يحتاج إلى رعاية من مرحلة ما قبل الولادة إلى أن يصبح شابا، من تعليم ورعاية صحية ومأكل وملبس وإقامة، وغيرها الكثير.
والسؤال هنا هل قدمت الدراما المصرية من خلال المسلسلات والأفلام نماذج من الواقع تحبب الأطفال وذويهم في نمط حياة معين، وتجعلهم بشكل غير مباشر يكرهون نمط الحياة الآخر، ويدركون أن كثرة الأولاد ليس عزوة وسندا، وأن اثنين كفاية، إذا توافرت لهم كافة سبل الحياة الكريمة، بدلا من دراما المخدرات والعنف والعري التي أفسدت حياة النشء.
لماذا لا نسلط الضوء على النماذج المكافحة العصامية التي خرجت من رحم المعاناة ثم أصبحت تعتلي قمة هرم الأثرياء في مصر، لكي نتغلب على ثقافة "إن فاتك الميري اتمرمغ في ترابه" والتي يتم لوم الدولة كثيرا مؤخرا لأنها سيطرت على التعيين غير المبرر في المواقع والمؤسسات الحكومية واعتمدت بشكل كبير على القطاع الخاص وأفسحت له المجال لكي يستوعب أكبر قدر ممكن من الشباب والباحثين عن فرص عمل.
وأتساءل هل تم تقديم أم الشهيد وزوجة الشهيد وأولاد الشهداء في الدراما المصرية كما ينبغي أن يكون، وبما يوازي ويجسد ما قدمه ذووهم من تضحيات من أجل الحفاظ على تراب الوطن، وبما تحملوه من ألم وعناء؟ وأين النماذج المكافحة للمرأة المصرية، والشباب المصري الذي يواصل العمل ربما لأشهر في المشروعات القومية في العاصمة الإدارية وهضبة الجلالة وغيرها، دون أن يزور أهله لكي يوفر لهم سبل الحياة الكريمة؟!
[email protected]