الخلاص النهائى من الحركات الإرهابية لا يمكن أن يحدث إلا بثورة ثقافية
موضوعات مقترحة
أسس مع عدد من الديمقراطيين منتدى «الموقف»، الذى لعب دورا لا يستهان به فى تنشيط الحياة السياسية والحركة خلال سنوات 1998 - 1999 - 2000 وأشرف على جريدة الموقف، وبعث مع بعض المؤسسين للمنتدى «الائتلاف الديمقراطي» للمشاركة فى انتخابات 1999 وأسهم بقسط وافر فى تأسيس «الحزب الديمقراطى التقدمي»، حيث شارك البعض من رفاقه فى هيئاته القيادية، ثم انسحبوا من الحزب بسبب مسألة «التحالف مع الحركة الإسلامية». وقد شارك الكاتب فى إنجاح تجربة «المبادرة الديمقراطية» (التى تكوّنت بمناسبة انتخابات 2004) والحفاظ عليها، لإيمانه العميق وثقته الكبيرة فى العمل المشترك من أجل توحيد الحركة الديمقراطية.
وبنفس الروح شارك فى تجربة «المبادرة - الائتلاف» ثم «المبادرة الوطنية من أجل الديمقراطية والتقدم»، التى تعتبر تواصلا وتجاوزا لتجربة «المبادرة الديمقراطية». وقد بذل نفس الجهد تجاه اليسار من أجل توحيده، حيث أعد أرضية توجه بها إلى مختلف القوى، ولم تشهد النقاشات تقدما جديا إلا مع حزب العمل الوطنى الديمقراطي.
< ما رؤيتك المستقبلية لتونس فى ظل الدعم العربى والشعبى ودعم دول الجوار، ودعم الرئيس عبد الفتاح السيسي لتونس؟
إن النظر فى مستقبل أى بلد يتحدد بحسب أوضاعه الداخلية، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والإقليمية والدولية ومنظور لتونس من هذه الزاوية يمكن القول إن العشرية التى نحن بصددها ستكون صعبة عليها للغاية، لأنها تواجه أوضاعا نادرة التعقيد، فى ظل أزمة شاملة اقتصادية واجتماعية وسياسية بدون بديل. ما يعنى أنه من الصعب أن يظل الشعب صامتا، أمام تدهور أوضاعه وغموض المستقبل، ونشير إلى الديون التى سندفعها هذه السنة محدودة، وبإمكان الدولة تسديدها على حساب الحاجيات الأساسية للشعب، لكن الديون التى ستدفع بعد سنة 2022 كبيرة، ولا يمكن لها تسديدها إلا بالاقتراض الخارجي. وهو وضع يفرض عليها القبول بشروط صندوق النقد أو الذهاب إلى منتدى باريس، وقد يؤدى بها الأمر للذهاب إلى منتدى لندن، ذى الشروط الأشد من نادى باريس. ما يعنى أن الأوضاع فى الثلاث سنوات المقبلة ستكون أصعب بكثير مما هى عليه اليوم.
ثانيا، أزمة سياسية سرعان ما تتحول إلى أزمة حكم فتحت انتفاضات 17 ديسمبر، 14يناير الباب على مصراعيه، على أزمة سياسية عميقة أخذت صيغة أزمة حكم سواء عند إزاحة زين العابدين بن على من السلطة والتجمع الدستورى الديمقراطى (الحزب الحاكم)، وحكومة الوزير الأول آنذاك محمد الغنوشي، أو بعد اعتصامى «القصبة1» و»القصبة2»، اللذين أزاحا محمد الغنوشى من الحكومة الانتقالية، وتولى الباجى قائد السبسى رئاستها، وكذلك الشأن بعد انتخاب المجلس التأسيسي، لعدم وجود بديل حكم يدير المرحلة الجديدة واحتدام الصراع بين مشروعين للدولة، والمجتمع مشروع الإسلام السياسى الذى يجمع مختلف الجماعات (حركة النهضة) وهى فرع من تنظيم الإخوان المسلمين، حزب التحرير الإسلامى فرع تونس والحركة السلفية بفرعيها السلفية العلمية والسلفية الجهادية) يهدف إلى إقامة دولة دينية تسوسها الشريعة والمشروع الجمهورى الديمقراطى، الذى يجمع جل القوى الديمقراطية واليسارية والاجتماعية (أحزاب سياسية وجمعيات مجتمع مدنى ومنظمات اجتماعية) يعمل من أجل انتقال الجمهورية إلى الديمقراطية.
وهذا يعنى أن الوضع كما هو عليه، لا يمكن مواجهته إلا بائتلاف واسع، سياسى واجتماعى ومدنى وشعبي، لأن الهوة التى سقطنا فيها سحيقة، ولأن التضحيات كبيرة وينبغى تقاسم أعبائها.
لذلك فإننا نعتقد أن تفاقم الأزمة الاقتصادية له تأثير كبير، وإذ وقفت الجزائر إلى جانب تونس وإلى جانب الدولة التونسية، وإلى جانب الشعب التونسى فى اللحظات الحرجة، وعبرت مصر عن مساندتها لتونس فى أكثر من مناسبة.
ما رؤيتك لالتفاف الشعب التونسى حول مؤسسات الدولة؟
إن الخروج من الإطار الموضوعى الذى دارت فى ظله الانتخابات الرئاسية، وعدد الأصوات التى تحصل عليها المرشح قيس سعيد، على أنها تعبر عن دور لعبه فى كسب ثقة الشعب التونسي، وعن قدرة أنصاره التعبوية، على الرغم من أنهم لا يملكون لا تنظيما و»لا مالا». والحال أن الدورة الأولى تحدد حجم التيار الانتخابى الذى حركه والمجموعات الواقفة وراءه، الذى تشير إليه المجموعات المغلقة والصفحات الفيسبوكية، والذى لا يتجاوز الـ 620 ألفا إلا بقليل، بينما كانت حصيلة الدورة الثانية تقارب الثلاثة ملايين صوت من أصوات الناخبين. وهى عموم أصوات مؤطرة سياسيا، أتت بها حركة النهضة وباقى الأحزاب السياسية التى ساندته فى الدورة الثانية، وليست محمولة بتيار انتخابى قابل بين «الفاسد» و»النظيف»، لأن هذا الأخير حصل حلى ما يزيد على المليون صوت ولم يقم بحملة انتخابية، وكان فى الدورة الأولى فى السجن. ووقف جزء عريض من الشعب التونسى مع الرئيس ضد حركة النهضة، لكن مع مرور الوقت وتشعب الصراع وتتابع الأحداث وتفاقم الأزمة بدأ الناس يأخذون مسافة حيال الصراع، وقد يؤدى هذا التمشى إلى عودة الإسلام السياسى بقيادة حركة النهضة تحركه هذه المرة، روح انتقامية من الشعب ومن القوى الديمقراطية التى تقف معه، وهو وضع ينبئ بمخاطر كبرى تهدد الجمهورية والديمقراطية والحريات.
< ما رؤيتك لمستقبل خريطة الطريق التى طرحها الرئيس قيس سعيد فى 25 يوليو الماضي؟ وكيف يمكن أن تتحول هذه الخريطة والخطوات التى تتعلق بها إلى نقاط لاستقرار تونس وإشاعة السلام والازدهار وعودة الأمان مرة أخرى؟
لقد أعد الرئيس قيس سعيد خارطة الطريق، والعالم اليوم انفتح أكثر من أى وقت مضى، وأصبح المواطن يشهد ما يدور فى العالم لحظة بلحظة وأن اللحظات الافتراضية، بإمكانها أن تتحوّل فى لحظة بعينها إلى فعل قد يكون منظما أو عفويا ولسلطة الرأسمال المالى العالمية، تقرير فى شأنها لأنها أصبحت وكأنها سلطة كونية. لذلك لا يمكن للاستقرار أن يتحقق إلا بانخراط طوعى شعبى ونخبوى فيه. وهو ما يفرض على المسئول السياسى فى الدولة وفى الأحزاب الحاكمة توفير الظروف المناسبة لذلك.
< ما توقعاتك المستقبلية لحركة النهضة؟
حركة حزب سياسى عقائدى إخواني، يمكن للضربات أن تؤلمها، لكن لا يمكن أن تنهى وجودها، والأمثلة على ذلك كثيرة. ففى سوريا سحق حافظ الأسد حماة تشرد الإخوان، وعادوا فى جلابيب مختلفة إرهابية وغير إرهابية. وكذلك الشأن بالنسبة للإخوان فى مصر الذين شهدوا نشأة جماعتهم فى 1928 ومروا بأطوار مختلفة ومارسوا الاغتيالات، وعرفوا البلاطات والبرلمانات وشهدوا التهجير والتكفير والعمل الإرهابى الضخم وأسهموا فى تأسيس تنظيم القاعدة الإرهابى وفى تنظيم داعش. ما من شك أن الحلول الأمنية والعسكرية والقانونية تبقى قائمة لكن الخلاص النهائى من هذا النوع من الحركات، يمكن أن يحدث بالثورة الثقافية التى ينبغى إحداثها فى المجتمع كى تسمح الارتقاء حضاريا. ولا أعتقد أن حركة النهضة ستتوقف عن النشاط حتى وإن تم حلها أو قمعها فقد عاشت مختلف أشكال العمل فى الخمسين سنة الماضية ومازالت مستعدة للتأقلم مع الأوضاع الجديدة.
< هل ترى أن حركة النهضة تركز على الدعاية السلبية ضد الدولة؟ أم تركز على المظاهرات والخروج فى الشوارع؟ أم ستركز على تقليب الرأى العام الخارجى وتحديدا ما يسمى بالمجموعات الليبرالية والتقدمية سواء فى أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية؟
لقد استعملت حركة كل الأساليب فى عهدى الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، وستواصل استعمالها اليوم مجمعة، فستعمل على الدعاية ضد السلطة وستخرج إلى الشارع، وستعتصم وتواصل الاتصال بأصدقائها فى الخارج، لكن لا أعتقد أن القوى الليبرالية والتقدمية بإمكانها أن تقف معها، لكنها ستعارض الأساليب التى تمثل تعديا على مؤسسات الجمهورية وعلى الحريات الفردية والعامة وعلى حقوق الإنسان.