يُعد عدم تحقيق المساواة بين الجنسين والأزمة البيئية أكبر تحديين للتنمية المستدامة في عصرنا الحالي ، فقد أدى تغير المناخ وتداعيات جائحة كوفيد-19إلى زيادة أوجه عدم المساواة في شتى أنحاء العالم ويؤدي فقدان التنوع البيولوجي والتصحر والتلوث والظواهر الجوية الحادة إلى تدمير سبل العيش وزيادة الفقر والتشرد.
على الصعيد العالمي، تتأثر النساء والفتيات بشكل غير متناسب إثر التغير المناخي، وذلك لأنه رغم اعتمادهن بشكل أكبر على الخدمات والموارد، إلا أن فرص حصولهن عليها أقل ، وعلى الرغم من هذا الواقع، أصبحت النساء على نحو متزايد القوة الدافعة للتكيف مع تغير المناخ والاستجابات المجتمعية المستدامة.
من المهم الآن، أكثر من أي وقت مضى، العمل معًا لتحقيق عالم تسوده المساواة بين الجنسين باتباع نُهُج مراعية للمُناخ ومستدامة، في لجنة وضع المرأة التابعة للأمم المتحدة، وهي أكبر ملتقى لقادة العالم حول المساواة بين الجنسين، والتي تُعقد حاليًا في نيويورك- ستتفق الحكومات على أولويات معالجة قضايا النوع الاجتماعي وتغير المناخ. واستعدادًا لمؤتمر الأطراف في دورته السابعة والعشرين (COP27) في شرم الشيخ في نوفمبر القادم، ستؤكد أولويات لجنة وضع المرأة على كيف يمكن تحقيق المساواة بين الجنسين أن يدفع العمل المناخي وأن يخفف الآثار المترتبة عليه. ولطالما أعطت مصر الأولوية لقضية تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة على أعلى المستويات، وتُعتبر رئاستها لمؤتمر الأطراف في دورته السابعة والعشرين بمثابة فرصة لحث الدول الأعضاء والقطاع الخاص للقيام بالأمر عينه.
تؤدي الزيادات في أسعار الطاقة والمواد الغذائية إثر تداعيات تغير المناخ إلى زيادة مستويات الفقر وإرهاق الميزانيات الوطنية وتعريض القدرة التنافسية للخطر. ويؤثر هذا بشكل خاص على النساء، ولا سيما أولئك اللواتي يتعرضن لأوجه عدم مساواة أخرى، ويُعد توفير الحماية لمواجهة انعدام الأمن الغذائي أولوية كبرى بالنسبة إلى الحكومة المصرية، حيث تحل مصر في المرتبة 55 من بين 113 بلدا في مؤشر الأمن الغذائي العالمي (2019)، فيما تواجه 74.3 في المائة من الأسر في صعيد مصر حالة من انعدام الأمن الغذائي (بحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة – الفاو في 2020).
وفي وقت نشهد فيه زيادة عالمية في أسعار المواد الغذائية، يعد إشراك أصوات النساء فى المجتمع المحلى حول العالم في تحديد الاحتياجات والاستجابة لانعدام الأمن الغذائي أمرًا لا غنى عنه لضمان قدر أكبر من المرونة المجتمعية. ومن خلال العمل مع نُظرائنا وأصحاب المصلحة الوطنيين، تستثمر هيئة الأمم المتحدة للمرأة منذ عقود طويلة في تعزيز قيادة المرأة في القطاعين العام والخاص، ودعم الدور الأساسي للنساء كقوة دافعة للنمو الاقتصادي وتعزيز مزيد من الدعم لحقوق المرأة لتعيش حياة خالية من العنف، ودعم مساهمتها في تقديم الرعاية سواء مدفوعة الأجر أو غير مدفوعة الأجر. وتُعد مجالات التقدم هذه حاسمة إذا كان لنا أن نرى سبل عيش مستدامة على هذا الكوكب المُتغير.
ينبغي تعزيز المشاركة والقيادة الفعالةللنساء والفتيات في تطوير سياسات الحد من مخاطر البيئة والكوارث لضمان الاستجابات الفعالة. تُبينالأبحاث أن البلدان التي يوجد بها عدد أكبر من النساء في البرلمان ومع مشاركة المزيد من النساء في إدارة الموارد الطبيعية المحلية غالبًا ما تشهد اعتماد سياسات وطنية أكثر صرامة لتغير المناخ مما يؤدي إلى انخفاض الانبعاثات، كما ويؤدي ذلك غالبًا إلى حوكمة الموارد الطبيعية بشكل أكثر إنصافًا وشمولامع نتائج أفضل على مستوى المحافظة على تلك الموارد. وضمن جدول أعمال السياسات، من المهم تحسين جمع إحصاءات وبيانات النوع الاجتماعي مصنفة حسب الجنس وثمة حاجة للقيام باستثمارات كبيرة على جميع المستويات في هذا الصدد.
كما ويعد التمويل المراعي لمنظور النوع الاجتماعي والبيانات والإحصاءات القوية أمرين أساسيين، فبينما تتدفق مليارات الدولارات على القضايا البيئية، فإن جزءًا ضئيلًا يتناول النوع الاجتماعي وجزءًا أقل بكثير يستهدف العلاقة بين المناخ والنوع الاجتماعي.
على الصعيد العالمي، كان عام 2020 عامًا قياسيًا لسوق السندات الخضراء والاجتماعية والمستدامة، حيث تجاوز إجمالي الإصدارات 600 مليار دولارأمريكي. ومع ذلك، فإن أقل من 1٪ من هذا السوق يتوافق مع أهداف تمكين المرأة. يمكن للأدوات المالية المتنوعة أن توفر تمويلاً ميسورًا وسهل المنال للمؤسسات والتعاونيات النسائية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تشمل المنح البيئية العالمية أو الوطنية أو دون الوطنية شروطًا ومتطلبات للإبلاغ تكون مُصممة لتناسب المنظمات النسائية.
ومن الضروري ضمان وصول المرأة إلى الخدمات الأساسية والحماية الاجتماعية أثناء الأزمات المتعلقة بالمناخ. ويشمل ذلك وصولها إلى الخدمات الصحية وحقوق الصحة الإنجابية والجنسية، وكذلك الوصول إلى خدمات الوقاية والاستجابة والتعافي الأساسية لأولئك اللواتي يتعرضن للعنف. وعلى نفس القدر من الأهمية الحاجة إلى تعزيز أنظمة الحماية والرعاية الاجتماعية الشاملة المستجيبة للنوع الاجتماعي على الحماية من الآثار غير المتناسبة لتغير المناخ وتعزيز قدرة النساء والمجتمعات على الصمود.
تستلزم الحلول المستدامة تعزيز الاعتراف بقدرات المرأة والاستثمار فيها. فوفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة، تساهم الزراعة بنسبة 11.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي لمصر وهي أكبر مجال عمل للنساء (45٪ من القوى العاملة الزراعية). وبالنظر إلى الدور المحوري للنساء في هذا القطاع، فإن ضمان دور المرأة وإدماج صوتها في الحلول المستدامة هو فى الواقع نهج تجاري ذكي.
وهذا يشمل النُهُج الزراعى المستدام، مثل الزراعة الإيكولوجية ودعم سبل العيش المراعية لمنظور النوع الاجتماعي والمرنة أمام آثارالمناخ والسيادة الغذائية والبناء على المعارف والممارسات العلمية والمتوارثة عن الأجداد للحفاظ على التنوع. إن توسيع حلول الطاقة المستدامة اللامركزية في المناطق غير المخدومة بشبكات الكهرباء الوطنية من شأنه أن يفيد بشكل كبير في توفير سبل عيش لائقة للنساء والفتيات وقدرتهن على الصمود وأن يقلل من رعايتهن وعملهن المنزلي غير مدفوع الأجر.
تعد مشاركة القطاع الخاص في النُهج المرنة والمستجيبة للنوع الاجتماعي أمرًا أساسيًا للانتقال إلى الاقتصادات الخضراء والزرقاء، ويشمل ذلك تمويل الخدمات المناخية المبتكرة وتقنيات التكيف، وتعبئة القدرات التقنية ودعم إستراتيجيات التمويل الجديدة التي تستهدف كفاءة الطاقة وتعزيز الوظائف الخضراء والاستفادة من الجهود الحكومية في وضع المرونة والتكيف كأولويات قصوى.
وعليه، فإن الاستثمار المعزز في سد الفجوة الرقمية العالمية بين الجنسين، والثغرات في الوصول إلى التعليم والمعلومات والمهارات، من شأنه أن يسهل الوصول المتكافئ إلى المعرفة الواعية بالمخاطر والاتصالات والتنبؤ والاستعداد، بما في ذلك أنظمة الإنذار المبكر، لا يزال هناك حاجة في مصر وفي جميع أنحاء العالم، لبناء القدرات والتعليم وزيادة الوعي بين أصحاب وصاحبات المصلحة في سوق العمل بشأن إجراءات الاستجابة للمناخ وحلول الاستدامة.
على الصعيد العالمي، من المهم تشجيع المنظمات النسائية وتعزيزها لضمان قدرتها على توقع الكوارث المناخية والبيئية والاستجابة لها بفعالية. يمكن أن يساعد التعاون الحكومي مع المنظمات النسائية في ضمان تلبية سياسات المناخ للاحتياجات المحددة للنساء والفتيات، كما يُمكن أن يسُاهم في بناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ على المستوى المحلي.
وفي جميع أنحاء إفريقيا، لطالما كان صوت المرأة وقيادتها محركًا رئيسيًا للنجاحات ذات الصلة بتغير المناخ في السنوات الأخيرة، وإن رئاسة مصر لمؤتمر الأطراف (COP27) هي فرصة لتسليط الضوء على هذه المكاسب والاستفادة من الالتزام العالمي المعزز لزيادة وضمان اتباع نهج يتسم بالمساواة بين الجنسين تجاه المناخ والبيئة والحد من مخاطر الكوارث.
كرستين عرب هي ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في مصر