تمثل الحدائق والمتنزهات حالة من البهجة والسعادة لكل من يرتادها.. فالحدائق بما تحمله من ألوان زاهية وعطر الورود الفواحة والهواء النقي، يضفى شعورا من الراحة النفسية على روادها، وقد أوضح لنا القرآن الكريم بصورة بلاغية جميلة فى سورة النمل بقوله سبحانه وتعالى "وحدائق ذات بهجة" فأهم سمات الحدائق أنها تبعث على البهجة .
وينبهنا التاريخ أن أحد عجائب الدنيا السبع كانت حديقة وهى حدائق بابل المعلقة التى بناها الملك البابلى نبوخذ نصر هدية لزوجته !
وتعطى دول العالم المتحضرة مساحة كبيرة للحدائق والمتنزهات العامة، وتحرص على تطويرها باستمرار، بل وتوفر خدمات لمرتاديها لتساعدهم على قضاء أوقات سعيدة بها، فالإنسان يحتاج بطبيعته إلى الترفية عن نفسه من عناء العمل، ومن الطبيعى أن ينعكس ذلك على الارتقاء بالسلوك الإجتماعى الذى يشكل ثقافة المجتمع .
عرفت مصر المحروسة الحدائق العامة منذ أن بدأ التفكير فى تنظيم وتخطيط الشوارع والميادين، فكانت الحدائق والبساتين داخل السرايات والقصور، ومن أشهرها حدائق الأزبكية والأورمان والأسماك والأندلس، بخلاف حدائق القناطر الخيرية وحدائق شبرا التى اندثرت وأصبحت فى ذاكرة التاريخ.
عقب عودة الخديو إسماعيل من زيارته لباريس 1867م وانبهاره بما رآه من تحسينات وتطوير للعاصمة الفرنسية، أراد أن ينقل التجربة إلى مصر المحروسة "كما كانت تسمى وقتها"، وحتى يحقق حلمه بأن تصبح قطعة من أوروبا، كلف المهندس "باريل بى" وكان مشهورا بتنسيقه الرائع للبساتين، فنظم حديقة الأزبكية ثم الأورمان.
كانت البداية بالأزبكية فأنشأ بها جباليات صناعية وزرع بها الأشجار النادرة وعادت البركة التى تحيطها والتى أصبحت راكده بسبب الإهمال، بحيرة صافية تسبح فيها الأسماك الملونة وزينت بالأنوار والفسقيات الرائعة وتحولت إلى حديقة لم تشهدها القاهرة من قبل، ظلت لسنوات طويلة هكذا ثم تبدلت الأحوال إلى ما وصلت إليه الآن.
أبدع "باريل بى" فى تخطيط حديقة "أورمان الجيزة" كما كانت تعرف، ونسقها بطريقة مختلفة عن الأزبكية، فنوع فى مستوى ارتفاع الأرض بحيث أصبح أجزاء منها مرتفعة وأخرى منحدرة ومستوية، شق بها برك مياه ونوع فى أشكال تجمع الأشجار، واستخدم الأسمنت فى عمل صخور صناعية تضيف جمالا للشكل، وتتخلل أرضية الحديقة طرقات ومماشى مزينة بفوانيس تضاء بالغاز مقامه على أعمدة من الحديد، واستعان بأنواع جديدة من الأشجار والنباتات لم تكن معروفة بمصر، وخصص 500 عامل للعناية بالحديقة وتنظيفها وريها تحت إشراف "أسطوات" أجانب لديهم الخبرة فى رعاية الأشجار النادرة .نفس التصميم تماما شاهدته فى "الريجينسى بارك " فى لندن.
أراد الخديو إسماعيل أن تكون منطقة الجزيرة " من أجمل المناطق فى العالم، وكان وقتها يتم بناء سراى الجزيرة "الماريوت حاليا"، ففكر فى إنشاء حديقة فريدة من نوعها، لذلك استدعى "مسيوالفوندو" مدير الحدائق العامة بفرنسا، ليصمم حديقة ليس لها مثيل فى العالم فكانت حديقة الأسماك.
ليس جمال الحديقة فى التصميم فقط بل فى مواد البناء المستخدمة، فبنيت من الطين الأسوانلى والاسروميل وهو عبارة عن مخلوط من الرمل الأحمر والجبس والمواد الداعمة لإنشاء تكوينات معمارية على هيئة خياشيم الأسماك، فأصبح تصميم الجبلاية يشبة السمكة، ويتميز النسق المعمارى للحديقة أنه بنى على هيئة جبلاية لذلك يطلق البعض عليها حديقة الجبلاية، وعرفت المنطقة كلها بهذا الاسم.
يتجلى الإبداع المعمارى فى تصميم الجبلاية، فمن الداخل على شكل ممرات أو تجاويف داخل شعاب مرجانية فى قاع البحر، فإذا نظرت إلى سقف أحد الممرات ستجده وكأنه واحد من تجاويف أخرى صنعتها الأمواج تعزف ألحانا عند مرور الهواء بها تشبة إلى حد كبير حركة الماء وذلك من خلال حركة الهواء المندفع من المداخل الأربعة متنقلا بين الكهوف، وبالحديقة أشجار نادرة من مدغشقر وأستراليا وتايلاند، وأنواع من السلاحف والزواحف البحرية وحوض كبير للأسماك المفترسة القرش والخنزير، وأربع صوب لتفريغ الأسماك و24 حوضا لأسماك الزينة.
أما حديقة الأندلس فهى أول حديقة تسجل كأثر، أنشأها محمد بك ذو الفقار 1935م أواخر حكم الملك فؤاد، مقامة على مساحة فدانين فى موقع متميز فهى تطل على النيل من الشرق وعلى أول شارع الجزيرة من الغرب وجنوبا الأوبرا الجديدة وكوبرى قصر النيل.
تتكون الحديقة من جزئين يسمى الجنوبى حديقة الفردوس العربية صممت على نمط الحدائق الأندلسية العربية فى جنوب أسبانيا وبهذا الجزء أشجار معمرة المعروفة بشجرة "عدى" ويتجاوز عمرها 90 سنة . وتمثال لأمير الشعراء أحمد شوقى للمثال محمود مختار، ونافورة رخامية مثمنة الشكل يتوسطها عمود رخامى تحيط به ثمان تماثيل لأسود يخرج منها الماء وتحيط بها ثمان ضفادع رخامية وبها مدرج مكسى بالزهور أما الممرات فهى مبلطة بالقيشانى متعدد الألوان.
أما الجزء الشمالى يسمى الحديقة الفرعونية وبه بوابة فرعونية وتمثال شيخ البلد ونماذج مختلفة لتماثيل فرعونية، وينتشربها النخل الملوكي.