يتفرد مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والروائية القصيرة بين كل المهرجانات المصرية بخصوصيته، منذ انطلاقة أولى دوراته في عام 1991، وقد جاءت الدورة الـ23 منه والتي انتهت الأربعاء الماضي برغم بعض الأخطاء التي عادة ما تواجه معظم المهرجانات في مصر، لأسباب قد تكون خارجة عن إرادة من يتصدون للمهمة دون انتظار للمقابل؛ كرئيس المهرجان سعد هنداوي، ورئيس المركز القومي للسينما زينب عزيز، وهي –أي الأخطاء- بالنظر لما تحقق من مكاسب تعد عادية جدًا، بل لايمكن إذا ما قمنا بتقييم الدورة وضعها في الحسبان كون أن رئيس المهرجان أيضًا رئيس المركز يدخلان التجربة لأول مرة.
المكاسب التي تحققت كثيرة أهمها أن مهرجانًا متخصصًا لسينما ليست تجارية، حافظ على قدر كبير من الجمهور، وأنه نجح أيضًا في أن يحتفي بنجم الإخراج خيري بشارة الذي قدم تجربة خاصة في كتابه "السينما والواقع" الصادر عن المهرجان، ويتضمن ثلاثة سيناريوهات لأفلامه التسجيلية "صائد الدبابات" و"طبيب في الأرياف" و"طائر النورس"، وهي من مكاسب المركز القومي للسينما؛ حيث اجتهدت السيناريست زينب عزيز وقامت بترميمها ليتم الاستعانة بها في العروض الأخرى.
وكرم في هذه الدورة المخرج عواد شكري أحد أبرز من قدموا سينما تسجيلية، كان آخر أعماله فيلم "الخال" عن الشاعر عبدالرحمن الأبنودي ابن الصعيد أيضًا فعواد شكري من أبناء الصعيد.
وأنا لم أعتد البحث أو حتى الكتابة عن أخطاء من منطلق أنها لا يمكن أن تفسد نجاحًا سعى إليه من تحملوا عبء ومشقة دورة أراها من أفضل دورات الإسماعيلية، بها من البرامج الموازية ما يكفي لأن يزخر بها مهرجان دولي، تكريم للسينما الكورية، احتفاء بمئوية السينمائي الأمريكي جوناس ميكاس، ومؤية المخرج الكبير صلاح التهامي، ومئوية اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، بعرض فيلم "كرسي توت عنخ آمون" للمخرج شادي عبدالسلام، وبرنامج خاص عن السينما التجريبية، وبرامج للأطفال، ثم تجربة مهمة عن أفلام قدمها صناعها في فترة العزل من كورونا تحت عنوان: "حتى لا ننسى".
هذه بعض من إنجازات الدورة الـ23 التي أقيمت في ظروف صعبة، تولى فيها المخرج سعد هنداوي المهمة في وقت قصير خطط وأنجز وقدم ما يعد إنجازًا، فمن تابع هذه الدورة سيكتشف أن هذا الرجل ومعه الدينامو زينب عزيز كانا في تحدٍ مع كل الظروف لأن يقدما مهرجانًا بمواصفات وبرامج مختلفة، وأعتقد أنهما نجحا في مواجهة تحديات، وعقبات، تظهر عادة بعد انطلاقة أي مهرجان سينمائي، وبخبرة "هنداوي" الطويلة في العمل بالمهرجانات العالمية نجح في تجاوزها.
المكاسب ملموسة منها أيضًا ظهور مبهج للمذيعة لينا شاكر التي قدمت حفلي الافتتاح والختام، وحالة من الثراء قدمها الفنان الموهوب أحمد كمال في ورشة تمثيل أشاد بها الجميع.
وكما قال رئيس المهرجان في ختامه "لم نذهب يومًا للسهل، بل اخترنا الأصعب والأجمل والأكثر تأثيرًا في العقل والقلب".
أما الأفلام فيمكن القول بأنها ثمار جهد طويل من الجميع، بداية من المدير الفني -وهو الناقد أسامة عبدالفتاح- وكانت معبرة عن رغبة القائمين على المهرجان في التحدي، فقدم في مسابقاته؛ سواء الروائية القصيرة أو التسجيلية الطويلة، والقصيرة، والتحريك، وأفلام الطلبة، وغيرهم من المسابقات.
تجربة تحققت مكاسبها وهو الأهم، ولمس هذه المكاسب من تابعوا المهرجان، حضور نقاد وصحفيين، وجمهور، تحول من مهرجان للسينما التسجيلية فقط إلى حالة مبهجة للأطفال؛ وهو برنامج نتمنى تكراره ودعمه، وتكريمات نتمنى أن يكون بينها نجم أجنبي من نجوم الإخراج، وأن يعد جيدًا لما يسمى "ماستر كلاس"، فما قدم للمخرج الفرنسي رئيس لجنة التحكيم الدولية للمهرجان "لادج لي" ليس سوى مؤتمر صحفي، كان بالإمكان الإعداد للاستفادة من خبرته أكثر، فهو صاحب فيلم "البؤساء"، ورشح للأوسكار، لكن يكفي حضوره المتميز في هذه الدورة.