لا شك أنه في ظل الاهتمام بدعم قدرات الدولة المصرية في جميع المجالات، فقد أولت القيادة السياسية اهتمامًا كبيرًا بالتعليم والبحث العلمي، ذلك أن هذا المسعى هو الطريق القويم في بناء الأمم، لما ينطوي عليه التعليم من قدرة فائقة على وضع الحلول العملية للأزمات المحتملة، فضلا عن الابتكار المستمر لتيسير مجريات الحياة في المجالات كافة، ومن هنا سعت الدولة إلى رعاية الكوادر الشابة وتنمية مهاراتهم لبناء جيل يستطيع أن يسهم بشكل إيجابي فى مسيرة تقدم المجتمع، بما يحصله من المعارف، وعلى النحو الذي يساعد في توطين الخبرات الدولية والتكنولوجيا الحديثة، والذي أيضًا يُسهم في إثراء المشهد الوطني بإبداعات وابتكارات ترتكز على العلم والمعرفة.
لذلك تبقى ضرورة وأهمية الاستفادة من الكوادر العلمية من حملة الدرجات العلمية "ماجستير ودكتوراه"، عاملا أساسيًا في مرمى نظر الأمم التي ترتكز على أرباب العلم في النهوض بها، ومن ثم ضرورة توظيف تلك الخبرات للمشاركة في تنمية وتطوير الأداء الحكومي بالمواقع الخدمية، فضلا عن ضرورة الدفع بقيادات شابة قادرة على العمل والعطاء، وصولا إلى الاستفادة من حملة الماجستير والدكتوراه في تقلد المناصب القيادية للارتقاء بكل الخدمات المقدمة للمواطنين، والاستفادة من تلك الطاقات وكذا لتحسين مستوى العاملين بالجهاز الإداري، فإن حملة الماجستير والدكتوراه يمتلكون خبرات علمية وعملية من شأنها أن تضفي تطورًا كبيرًا في العملية التعليمية، كما يمكن توظيف نتائج البحوث والدراسات التي يقدمونها في العديد من المجالات الحيوية.
وفي سنوات سابقة أثارت أزمة تعيين حملة الماجستير والدكتوراه، جدلًا واسعًا ومطالبات بالتعيين في الجهاز الإداري للدولة انطلاقًا من أحقية الدرجة التعليمية في التواجد والأسبقية، وإن كانت هناك وجاهة في هذا الرأي، فإنه أيضًا تنقصه الرؤية المكتملة من حيث النسبة والتناسب، وفقًا لعدد الحاصلين على الدبلومات والدرجات العلمية سنويًا، والذي يتجاوز مئات الآلاف، في ظل أن الجهاز الإداري للدولة متخم بالعاملين، وكذا الزخم الكبير في تخصصات وندرة تخصصات أخرى قياسًا إلى متطلبات سوق العمل المتوافقة مع مجريات العصر والاحتياجات الحقيقية ذات الجدوى الفعلية في الوقت الراهن، وفقًا لما تقتضيه المرحلة من تخصصات تُسهم في حركة البناء والتنمية، ولذلك وفي وقت سابق جاء قرار رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، بتشكيل لجنة وزارية برئاسة الدكتور خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وعضوية وزراء التربية والتعليم والتعليم الفني، التخطيط والتنمية الاقتصادية والمالية، لدراسة الاستفادة من الحاصلين على درجتي الماجستير أو الدكتوراه، والذين يمارسون أعمالًا لا تتناسب مع مؤهلاتهم، في مؤسسات الدولة والجامعات الجديدة أو الحكومية التي تعاني نقصًا في مجالات كثيرة، وإعداد تقرير بنتائج أعمالها وتوصياتها وآليات تنفيذها، وأرسلت الجامعات البيانات الخاصة بحملة الماجستير والدكتوراه، ولعلها خطوة مهمة في سياق العمل بجدية على بناء شراكات حقيقية مع مؤسسات سوق العمل بقطاعيه العام والخاص.
وربط التعليم والبحث العلمي بسوق العمل لإحداث نقلة نوعية في الصناعة الوطنية ولتحقيق الاستفادة القصوى من الخريجين، والحاصلين على الدرجات العلمية ودعمهم بمجموعة بالمهارات التي تمكنهم من مواكبة مستجدات هذا السوق الذي يحتاج إلى مهارات تجمع بين المعرفة النظرية ومهارات تكنولوجيا المعلومات.
إذن، جميل بل ومطلوب أن يكون هناك شغف كبير بالعلم ورغبة ملحة في مزيد من التعلم واكتساب المعرفة والخبرة، ومن ثم تبوأ المواقع المناسبة لهذه المعرفة العلمية والتمسك بفرص الترقي والرغبة الأكيدة في الإسهام بالمكتسبات المعرفية في دعم أجهزة الدولة المختلفة، وكذا الانتباه إلى الفرص المتاحة للشركات الخاصة بمختلف المجالات في هذا السياق، والتي تحتاج كذلك لكوادر تناسب طاقة العمل المطلوبة في كل مجال من مجالات مسيرة التنمية كالصناعة والزراعة والمشروعات الصغيرة مع تخصصات مثل الذكاء الاصطناعي، إدارة الأزمات، التجارة الرقمية، التسويق الرقمي، بالإضافة إلى الهندسة وإدارة الأعمال وغيرها من التخصصات الملحة، وبذلك من الممكن جدًا أن يكون حملة الدرجات العلمية ليسوا مجرد رقم، وإنما جزء أصيل من عملية التعليم والعمل وحركة التنمية المستمرة.
ولعل هذه السطور التي أدونها بدافع الاهتمام بموضوع حيوي يمس أبناءنا من الأجيال التي تحمل على عاتقِها هم التعليم والتعلم والتطلع إلى المستقبل العملي برصيد وافر ومتخصص في العلوم المختلفة، تكون قطرة في غيث الالتفات لهذا الملف الحيوي، وإشارة تضيء مساحة من درب الاهتمام من قبل الكتاب وأرباب الرأي والإعلاميين والمتخصصين نحو تحقيق الإفادة القصوى بالنظر في هذه القضية المهمة، ووضع النقاط في مواضعها لتستقيم الرؤية الموضوعية في أمر حملة الدرجات العلمية ولتتحقق نتائج ناجعة ومرضية للجميع.