وسط انشغال العالم بتطورات الحرب الروسية ـ الأوكرانية، تشهد كوريا الجنوبية تحولات كبرى، في سياساتها الداخلية والخارجية، بدت ملامحها أكثر وضوحًا، بعد فوز مرشح المعارضة، يون صوك يول، بمنصب الرئاسة، في الانتخابات الأخيرة.
الرئيس الكوري المنتخب يبدأ مهامه الرسمية في يوم 10 مايو المقبل، وتنفيذًا لوعوده في الحملة الانتخابية، قرر التمرد على -ما سماه- بالرئيس الإمبراطوري، ليس –فقط- من حيث الشكل، بنقل مكتبه الرئاسي، وهجرة "القصر الأزرق" العريق، ليصبح أكثر تواصلًا مع الشعب، بل-أيضًا- بتخفيض تركيز السلطة، وإلغاء نظام كبار المساعدين، وإعطاء المزيد من الصلاحيات الإدارية لمجلس الوزراء.
الرئيس يون فاز بأقل نسبة في عدد الأصوات، وحصل على 47.83%، أي بفارق 247 ألف صوت، وهو الأقل بين المركزين الأول والثاني في الانتخابات الرئاسية، منذ تطبيق نظام الانتخابات الرئاسية المباشرة في كوريا الجنوبية عام 1987.
تشير النتائج إلى أن يون حصل على تأييد ناخبين تتجاوز أعمارهم 60 عامًا، بينما حصل منافسه على تأييد ناخبين في الأربعينيات والخمسينيات من العمر، بما يعني أن المجتمع الكوري الجنوبي يعاني بشدة من ظاهرة استقطاب حادة، تحتاج للعلاج.
الرئيس المنتخب من مواليد 1960، وبعد انتهاء دراسته في علم القانون بجامعة العاصمة، سول، بدأ يعمل كوكيل للنيابة.
وفي عام 2019، شغل منصب النائب العام في عهد الرئيس الحالي، مون جيه إين، وفي عام 2021، استقال من المنصب، بعد شهور من الصراع مع إدارة الرئيس حول مساعيها لتقليص سلطات النيابة العامة، وكذلك التحقيقات التي أجراها مع مقربين من إدارته.
إلى جانب طموح الرئيس المنتخب بتحقيق ما تعثر في تنفيذه الرؤساء السابقون بإعادة هيكلة مكتب الرئاسة، سوف تصطدم إدارته بالعديد من المشكلات الاقتصادية كارتفاع أسعار المستهلك، وأسعار العقارات، والخسائر الناجمة عن جائحة كورونا.
غير أن التحدي الأكبر الذي يواجه إدارة يون يكمن في تصاعد التوتر بشبه الجزيرة الكورية؛ حيث زادت بيونج يانج استفزازاتها الصاروخية لجارتها الجنوبية، مستغلة الحرب الروسية - الأوكرانية من ناحية، وملابسات الانتخابات الرئاسية في سول.
هنا وجبت الإشارة إلى منشور منسوب للرئيس يون، قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، يكيل فيه التهديدات إلى زعيم الجارة الشمالية، مؤكدًا أن كيم جونج أون، "فتى وقح، وإذا سنحت لي الفرصة سوف أوجه له ضربة استباقية، وسألقنه درسًا في التهذيب".
في أول مؤتمر صحفي عقده بعد انتخابه، قال يون إنه سيرد بصرامة على تصرفات كوريا الشمالية، غير الشرعية، وغير المعقولة، لكنه أضاف أنه سيجعل باب الحوار مفتوحًا أمام كوريا الشمالية، علمًا بأن جهود سلفه، مون جيه إين، لتحقيق السلام في شبه الجزيرة الكورية، من خلال الحوار، لم تحقق ثمارًا حتى الآن.
في تصرف غير معتاد، نشرت صحيفة "رودونغ سينمون"، الناطقة باسم الحزب الحاكم في بيونج يانج، خبر فوز يون، في اليوم التالي لإعلان النتيجة، في تقرير من فقرة واحدة، وبتنويه إلى الهامش الضئيل لفوزه، في حين كانت –عادة- تؤجل النشر.
في كل الأحوال، يتوقع المراقبون استمرار حالة الجمود في العلاقات بين الكوريتين كما هي عليه الآن، وربما تتدهور أكثر، لأن التعهدات الانتخابية لـيون تتضمن تعزيز التدريبات العسكرية المشتركة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة.
إذا تم تعزيز تلك التدريبات، فمن المرجح أن ترد بيونغ يانغ عليها باستفزازات عسكرية، وإن بدت قضية كوريا الشمالية، في الظاهر، وكأنها لم تعد في أولوية سياسات الولايات المتحدة، لأنها تركز سياساتها على التعامل مع روسيا والصين.
فيما يتعلق بالحرب الروسية ـ الأوكرانية، وما تبعها من ضغوط تجارية واقتصادية فرضتها واشنطن وحليفاتها على موسكو، أصبحت الأنظار توجه إلى الدول الحليفة للولايات المتحدة، بما في ذلك كوريا الجنوبية؛ للوقوف بقوة في الجانب الأمريكي.
هنا يتوقع المراقبون أن يتم تعزيز التحالف بين سول وواشنطن، وأن تدرس كوريا الجنوبية الانضمام إلى التحالف الرباعي للحوار الأمني، الذي يضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند.
كذلك، من المتوقع أن تواجه حكومة الرئيس المنتخب، يون، صعوبات في التعامل مع الصين، إذا انضمت كوريا الجنوبية -فعليًا- لعضوية التحالف الرباعي الأمني.
كان الرئيس يون قد اقترح شراء المزيد من صواريخ "ثاد" الأمريكية لمواجهة بيونج يانج، على الرغم من أن مثل هذا الاقتراح يتسبب في تعرض سول لتدابير انتقامية من بكين، الشريك التجاري الرئيسي لـ سول بنحو 300 مليار دولار سنويًا.
إدارة الرئيس الكوري الحالي، مون جيه إن، كانت قد أكدت لـ بكين ما سمته بـ اللاءات الثلاثة، بشأن إمكانية تزويد سول بصاروخ "ثاد" الأمريكي، وهي: عدم المشاركة في شبكة الدفاع الصاروخي الأمريكية، لا إقامة تحالف عسكري ثلاثي مع الولايات المتحدة واليابان، ولا انتشار إضافي لنظام ثاد.
في حين، صرح في وقت سابق الرئيس المنتخب، بأنه لا يعتبر"اللاءات الثلاث" قد تحققت في سياق الاحترام المتبادل، وأكد أحد مستشاريه أن يون يؤيد نشر "ثاد" إضافي؛ مما أغضب بكين وعبرت عن أملها بأن يكون هذا تفسيرًا خاطئًا لرأي يون.
أما فيما يتعلق بالعلاقات مع اليابان، التي تمر بحالة من التوتر والجمود، فقد أكد الرئيس المنتخب يون أن العلاقة بين سيول وطوكيو ستأخذ في حسبانها المصالح العليا بين البلدين، وما الذي يجب أن يسعى إليه الجيل المقبل من شباب البلدين.
في الوقت نفسه، صرح كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني، هيروكازو ماتسونو، بأن طوكيو تخطط لمواصلة مطالبة سيول بالاستجابة بشكل مناسب للجهود الساعية لاستعادة العلاقات الثنائية التي توترت وسط نزاعات الحقبة الاستعمارية، على الجانب الآخر، أكدت سول أنها ستسعى إلى التوصل لحل من خلال الجهود الثنائية.
ويتواصل الجدل بين الجارتين –اليابان وكوريا الجنوبية- حول قضايا التعويضات التي تزعم طوكيو بأنها قد تمت تسويتها في معاهدة 1965 بين الجانبين، لتطبيع العلاقات، وكذلك، في تسوية 2015، المتعلقة بالاسترقاق الجنسي في زمن الحرب.
[email protected]