راديو الاهرام

محمد الشاذلي يكتب: نحن نزرع القمح

21-3-2022 | 09:15

 نزرع القمح منذ أيام الفراعنة، وللقمح قصة طويلة في مصر، هو القمح الذي مكن لسيدنا يوسف في الأرض بعد تأويل رؤيا الحاكم، عن السبع بقرات العجاف اللاتي يأكلن سبعًا من البقرات السمان، والسبع سنبلات الخضر والأُخر اليابسات، وهو القمح الذي سبب أو يقف من وراء فزع أي حكومة من ثورات الخبز. 
 
ووفقًا لتقرير حكومي أمريكي ـ قبل عشر سنوات ـ فإن مصر سوف تستمر في استهلاك القمح كونه أرخص نوع طعام في مصر، وأن مصر تزيد بنسبة 1.8 مليون نسمة سنويًا؛ وهو ما يعني استمرار زيادة الاستهلاك.
 
 ومع اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، بات تأمين القمح ومخزونه الإستراتيجي في مقدمة اهتمامات حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، وإذا ما ربطنا عدد السكان في مصر بمساحة الأراضي المتاحة للزراعة، فإن المساحة المخصصة لزراعة القمح تمنحنا الكثير من الأمان في الوقت الراهن، حسب ضرورات الأمن القومي للبلاد، فهي تكاد تقترب من ثلث مساحة الأراضي الزراعية المتاحة، وبالتحديد 3.4 ملايين فدان قمحًا.
 
والاهتمام بالزراعة وبمزيد من عمليات الاستصلاح وطرق الزراعة غير التقليدية كثيرًا ما يفاجئنا بأرقام عن تطور الرقعة الزراعية، فقد تعلمنا طوال عقود أن الأراضي الزراعية في حدود ستة ملايين فدان، وأنها تنقص باستمرار بسبب تجريف والبناء على الأراضي الزراعية. 
 
الرقم الجديد هو 9.4 ملايين فدان، وهو دليل على اهتمام مدروس بزيادة الرقعة الزراعية، وإذا كنا بعيدين عن الخطر، وإن أصابنا بعض الرذاذ فحسب، إلا أن الاكتفاء الذاتي من القمح يظل هدفًا، وهذا هو الدرس الأول للحرب الروسية الغربية في أوكرانيا.
 
لقد تعلمنا أن من لا يملك قوت يومه لا يملك قراره، وكان الرأي العام يفاجئ أحيانًا بأقاويل مثيرة؛ من نوع أن الغرب والولايات المتحدة خصوصًا حددت لمصر كمية القمح المنتج محليًا، والتي لا يمكن لها أن تتخطاها. 
 
وتم تنفيذ التعليمات، وتحركت واشنطن بهذا الأسلوب لضمان فتح السوق المصري، وهو الأول في الاستيراد والاستهلاك عالميًا، أمام منتجي القمح في الولايات المتحدة، وصدق الرأي العام ما تم تداوله؛ لأن واشنطن هي بالذات من حرضت البنك الدولي في منتصف الخمسينيات ضد تمويل بناء السد العالي الذي سيضر بمنتجي القطن في أمريكا.
 
هذا الماضي المؤلم تحرك نحو التغيير المدروس أولا بزيادة الرقعة المزروعة بالقمح محليًا وتدريجيًا، وثانيًا بتوسيع سوق الاستيراد، بإدخال روسيا وأوكرانيا وفرنسا وغيرهم؛ مما أدى إلى تحرك لم يلتفت إليه كثيرون في حينه، وهو إغلاق مكتب مؤسسة القمح الأمريكية في القاهرة قبل أربع سنوات، وهذه المؤسسة هي جماعة تجارية لدعم صادرات القمح الأمريكي في العالم.
 
ونشر موقع المؤسسة على الإنترنت يوم 2 يونيو 2018:
"أدى الوضع التنافسي في سوق استيراد القمح الكبير في مصر للخبز المدعوم إلى قيام متعاون الخدمات الزراعية الأجنبية التابع لوزارة الزراعة الأمريكية (US Wheat Associates) بتقليل وجودها في مصر في عام 2017، ومع ذلك، حددت USW فرصة مناسبة للربيع الأحمر الأمريكي (HRS)، والشتاء الأحمر القاسي (HRW) في الطلب المتزايد على المعكرونة في مصر".
 
وكانت القاهرة قد توقفت عن شراء القمح الأمريكي بعد إلغاء البرنامج الأمريكي لدعم القمح المورد لمصر، (ربما كان لوجود هذا البرنامج صلة بتحديد إنتاج مصر من القمح)، فبدأنا نفكر في قمح آخر من دول أخرى طبقًا لأسعار مناسبة، مواصفات قياسية، وكلفة نقل أقل، ومن مناقصات عالمية.
 
لقد كشفت الحرب التي تدور رحاها الآن عن أن طرفيها روسيا وأوكرانيا هما أكبر بلدين نستورد منهما احتياجاتنا من القمح (11 مليون طن) سنويًا، وربما تأثرنا بالحرب، في ضوء الأرقام المتاحة، أقل من غيرنا؛ لأن دولا عربية أخرى في مرمى أزمة طاحنة، نظرًا لعدم زراعتها للقمح أصلا، وكذلك عدم كفاية مخزونها الإستراتيجي.
 
ولدى الحكومة المصرية الآن 22 سوقًا مختلفة تؤمن من خلالها الأقماح، ومن الطبيعي أن يتحرك السعر تبعًا للعرض والطلب، وقرب السوق والإتاحة.
 
وإذا كانت مصر تستلم 5.5 ملايين طن قمح محلي سنويًا، وتستهدف رفعها إلى ستة ملايين طن عبر طرح حوافز إضافية للمنتجين، فإنها تستهلك 15 مليون طن سنويًا..
 
هذه الفجوة التي يشكلها استيراد ثلثي استهلاكنا من القمح لابد من وضع الخطط قصيرة وطويلة الأجل لسدها، ولأن الزراعة تمتاز في معظم منتجاتها بحيوية أكثر من غيرها في تغيير وتنوع المحاصيل، ولذلك فالانتقال إلى زراعة القمح في الأراضي التي يصلح فيها، سيحقق -مع تركيز الجودة وبالتدريج- اقترابًا حاسمًا من الاكتفاء الذاتي، بينما يمكن العودة إلى زراعات أخرى في حال الرغبة في التنوع، وهي مرونة ممكنة لمصر من واقع خبراتها الزراعية، وكفاءة مزارعيها وخبرائها..
 
والحقيقة أن زيادة سعر الأردب الذي تحدده الحكومة للموردين المحليين يساهم بالأساس في إقبال المزارعين على زراعة المزيد من المساحات بمحصول القمح وتوريد القمح إلى الحكومة.
 
وقررت الحكومة السير في هذا الطريق، كما هو واضح من تصريحات أخيرة؛ حيث سيتم تقديم حوافز سعرية وأخرى تتعلق بالسماد لمزارعي القمح من صغار المزارعين ومن أصحاب المساحات الكبيرة.
 
نحن ننتظر الآن تباشير شهر أبريل المقبل (موسم الحصاد يبدأ في 15 أبريل وحتى 15 يوليو)، والتوقعات الحكومية أن الموردين -وبعد الحوافز التي أعُلن عنها- بوسعهم توريد ستة ملايين، وحسب تقرير أمريكي حديث صادر في نهاية العام الماضي فالتوقعات أن يقفز إنتاج مصر من القمح إلى 9 ملايين طن، وأن يصل الاستهلاك إلى 21 مليون طن، ويمكن سد الفجوة بالاستيراد من أسواق متنوعة، لكن يظل الاكتفاء الذاتي أو ما يقاربه الضمان الأمثل لأمننا القومي. 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة
خدمــــات
مواقيت الصلاة
اسعار العملات
درجات الحرارة