Close ad

نجلاء محفوظ تكتب: التحريض على الانتحار

19-3-2022 | 08:26

بعد كل عملية انتحار تحدث –من الجنسين- "نتوقع" المزيد من  ضحايا التحريض على الانتحار؛ بعد أن نجد من يدافع عن الانتحار؛ أيا كان سببه، فهناك من ينتحر بسبب أزمة عاطفية أو خلافات زوجية أو لمروره بمحنة قاسية..
 
نرفض التعاطف القاتل مع المنتحر؛ فمن "يحترم" أعمار الآخرين، كما يخاف على عمره؛ يأخذ بأيديهم لينتصروا على أوجاعهم ولا يبالغ بالشفقة عليهم؛ فبعض الشفقة بها سموم بشعة..
 
إلقاء اللوم على الأهل أو على المحيطين بالمنتحر -من الجنسين- غير منصف،  فحتى لو قالوا  له كلامًا ضايقه أو لم يقدموا له المساعدة التي "كان يتمناها"؛ فهذا ليس مبررًا للانتحار ولا يجب التعامل مع أنفسنا ولا مع أولادنا وكأننا قطع من البسكويت الهش يتحطم بسهولة..
 
فلنوقن ونتذكر ونلقن أولادنا منذ الصغر أن رغباتنا ورغباتهم ليست أوامر يجب أن تلبى سريعًا؛ وإلا سارعنا بالانهيار وعلينا "تقبل" أن الحياة لن تسير كما نرغب دومًا؛ فلم تكن كذلك لأي مخلوق، وحتى الأنبياء عليهم السلام واجهوا صعوبات شاقة وهم أفضل وأزكى وأطهر خلق الله عز وجل.
 
ونذكر أنفسنا ومن نحب أن الحياة نعمة لن تتكرر وعلينا ترتيب أولوياتنا بها، وعدم السماح لأي رغبة أو أي مخلوق "بتدمير" حياتنا؛ فكل شيء يمكن تعويضه إلا الحياة نفسها، مع توطين الاعتدال وعدم المبالغة بالتعامل مع أي هدف أو حلم عاطفي بأننا لن نستطيع الحياة بدونه، وأن عمرنا هو ثروتنا الحقيقية وعلينا شغله بما يضيف إلينا.
 
ننبه أن رفض الحكم على الناس لا يعني تبرير الانتحار أو أية أخطاء، والمثير للغضب تزايد المنشورات على وسائل التواصل والبكائيات بمعظم الفضائيات بعد كل انتحار "وتزيينه" وكأنه الخلاص، وتبريره واتهام المجتمع والمحيطين بالمنتحر بالقسوة، وأنهم لم يراعوا مشاعر المنتحر "وتركوه" وحده يواجه ما يؤلمه!!
 
فات البكائيون أنه من المؤكد أن كل منتحر -من الجنسين- كان لديه ولو شخص واحد "احترم" مشاعره وحاول الأخذ بيده ليتجاوز محنته -عاطفية أو مادية أو صحية- ولكنه رفض الاستماع له "وأصر" على التشبث برغبته وإيذاء نفسه "ورمى" نفسه بهاوية اليأس.
 
يخبرنا الواقع أنه لو وقع إنسان على الأرض ومد له الكثيرون أيديهم لمساعدته على النهوض؛ فلن ينهض إلا إذا ساعد نفسه وهم بالنهوض، والحياة لا تجامل أحدًا "لرقة" مشاعره فتمنحه كل ما يرغب بالوقت الذي يريده وهذه ليست قسوة؛ بل حقيقة يدركها الجميع، ويتغافل عنها البعض "ادعاءً" للمثالية أو سعيًا لجمع "اللايكات"؛ خاصة من بنات حواء لسهولة التأثير العاطفي عليهن..
 
كنا نود بعد أي انتحار أن تعلو الأصوات المنادية باحترام قيمة الحياة وبزرع الصلابة بالعقول قبل القلوب وبتقديم "روشتة" لمن يفكر بالانتحار؛ تساعده على الانتصار على ضعفه وليس بتزيين الانتحار وتبريره، وجعله راحة من الحياة مع من لا يقدرون أوجاعه، وتناسي أن الجميع -بلا استثناء- لديهم أحزانهم وإحباطاتهم وهزائمهم أيضًا؛ فلا يوجد إنسان بالكون وبكل الأزمان والأماكن، لم يعانِ ويتعرض لما يؤذيه ويؤلمه بشدة ولو بمرحلة من العمر، ودومًا أمامنا "الاختيار" بين الاستعانة بالله وألا نعجز أو الانهيار "ودفن" أنفسنا ونحن أحياء باليأس وبتضخيم المعاناة وتهويلها وتناسي كل "النعم" التي لدينا.
 
قد ينتحر شاب أو فتاة بعد التعرض لأزمة عاطفية وبدلا من "تقبل" أن الأزمات بأنواعها جزء من الحياة "ويسعى" للنهوض بحياته، نراه لا يجيد تقدير نفسه وعمره "واختزل" سعادته ووجوده بالحياة في الزواج ممن أحب، وساهم في ذلك طوفان الكلام عن كسرة القلب بعد انتهاء قصة حب؛ وكيف أن ذلك ألمٌ لا يطاق وأكاذيب الأغاني والأفلام والمسلسلات عن الجراح التي ستصاحبنا طوال العمر وكثرة المذيعات اللاتي "يندبن" عن الوجع الذي يحطمنا بعد الانفصال العاطفي أو الأزمات النفسية.
 
وانضم إليهن بعض من "يطلقون" على أنفسهم لقب "لايف كوتش" أو مدربي تنمية بشرية؛ وبدلا من طرح أفكار إيجابية لمواجهة الصعاب بالحياة نجدهم "يتباكون" على المنتحر الذي لم يجد من يسمعه؛ "وكأن" الجميع لديهم من يستمع إليهم بود واحترام وتفهم، وكأن الحياة "تخص" المنتحرين بالوجع دون غيرهم؛ ونكاد نسمع من يقول: "ولكن الناس تتفاوت صلابتهم النفسية"، ونتفق مع ذلك وواجب كل من يتصدى للكلام تقوية هؤلاء وليس "تعمد" زرع الضعف داخلهم بتمجيد الضعف البشري وإلقاء القصائد التي "تتغنى" به وتغرسه بدلا من الأخذ بيد الضعفاء وتقويتهم بحب واحترام أعمارهم.
 
اللافت للنظر أن من يفعلون ذلك لم ينتحروا رغم "اعتراف" معظمهم بأنهم تعرضوا لمواقف بالغة القسوة، ولكنهم بادعاء الإنسانية يحرضون غيرهم على الانتحار!! ويحرصون على الاعتناء بأنفسهم -رجالا ونساءً- ويبدون دومًا بأفضل مظهر "وغالبيتهم" تبدو آثار عمليات التجميل وإزالة الدهون من الجسد واضحة عليهم ليستمروا بالأضواء ويتشبثون بالحياة "ويستمتعون" بها.
 
في القانون يعاقب المحرض على الجريمة؛ ومع الأسف لا نستطيع معاقبة من يحرضون على الانتحار ولا تقديمهم للعدالة، ولكن المؤكد أنهم سيلقون ما يناسبهم ولو بعد حين.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة