بعيدًا عما تقدمه المنصات الإليكترونية من أعمال درامية، وما يعرض على شاشات القنوات الفضائية، ذهب بنا المخرج يسري نصرالله، والمؤلف محمد أمين راضي بعيدًا، بمسلسلهما الجديد "منورة بأهلها" إلى منطقة لم يسبقهما إليها أحد، فيها تركا المشاهد يطرح التساؤلات وينتظر الإجابات مع الأحداث، بل وحطما التصنيفات فلا هو مسلسل رومانسي، ولا هو رعب، ولا هو اجتماعي، بل هو خليط من كل ما سبق، كتبه مؤلفه بطريقة احترافية فاقت أعماله السابقة "نيران صديقة، السبع وصايا، العهد، ومملكة إبليس".
وبعيدًا عن بعض المشاهد التي زج بها المخرج داخل الأحداث، وملامح الممثلين التي لم تتغير مع تعاقب السنين، فالملامح في التسعينيات كما هي في 2010، ومشاهد حلبة القتل، وبعض العبارات غير المقبولة، يمثل "منورة بأهلها" تجربة فريدة في الدراما العربية، نجح فيه يسري نصرالله في توظيف جميع الممثلين وإقناعهم بأهمية أدوارهم، فممثلة أخرى غير ليلى علوي ما كان لها أن تقبل بعدم الظهور بشكل مكثف في الحلقات الأولى، لكنها كممثلة موهوبة وبخبرتها أدركت أنها أمام نوع خاص من الدراما، إذ قدمت شخصية من أصعب ما قدمته في مشوارها، شخصية مثل الخط البياني، كلما تطورت الأحداث تطور الأداء، تطورت الشخصية حتى وصلت إلى قمتها في العاشرة.
تعامل المخرج مع ممثلين يعرف جيدًا قدراتهم، قدموا معه من قبل أعمالا سينمائية مثل باسم سمرة، شارك ليلى علوي فيلم "الخضرة والوجه الحسن"، وهو من أكثر الممثلين قدرة على التعامل مع كل الشخصيات، لم يخجل من أداء دور يكرهه المشاهد، مصمم الأزياء المشبوه.
غادة عادل أداء يحسب لها، فهي في الحلقات الثلاث الأخيرة، الثامنة، والتاسعة، والعاشرة فاقت التوقعات، ممثلة لديها إحساس بالكلمة بالمشهد، دورها عاليًا فوزي، شقيقة باسم سمرة "عادل"، من أكثر الشخصيات فاعلية في الأحداث.
الأحداث يفترض أنها تبدأ بعد حادث مقتل مصور فوتوغرافي يقوم بدوره الممثل الشاب محمد حاتم، يكلف الفنان أحمد السعدني "آدم" ضابط المباحث بالتحقيق في جريمة قتل، يبدأ آدم بكشف الحقيقة من خلال قصاصات من الصور التي يعثر عليها في منزله.
يبدأ آدم في جمع قصاصات الصور الممزقة، بعد الجريمة فيكتشف ترابط الخيوط بشكل غير متوقع، حتى تطال بيته وأصدقاءه، ويعد اختيار السعدني لأداء الدور موفقًا جدًا، فشخصية آدم ممتعة للمشاهد وللممثل أيضًا ومن الشخصيات الإيجابية، بل لعله الشخصية الإيجابية الوحيدة في العمل.
كل الشخصيات التي قدمها لنا يسري نصرالله حتى تلك التي قدمت في مشهد أو مشهدين، مثل ناهد السباعي التي أبدعت في الحلقات التي ظهرت فيها، وسلوى خطاب، وسلوى محمد علي، وسلوى عثمان، ونور محمود، وكريمة منصور، ومصطفى عسكر، كل هؤلاء كانوا في مباراة يعلمون فيها أنهم مع مايسترو شاطر، هو يسري نصرالله، يكفي المشاركة في عمل تحت إدارته.
استخدم المخرج الفلاش باك بشكل مربك بعض الشيء للمشاهد، لكن طبيعة العمل فرضت هذه الطريقة الصعبة حتى على المشاهد برغم أنه حاول تفسيرها بكتابة السنوات على المراحل، ومن خلال التحقيقات فقط.
عشر حلقات تمثل نقلة نوعية في الدراما العربية شكلا ومضمونا، شكلا.. تعد طريقة العرض التي قدمها المخرج أقرب إلى أفلام الرعب، برغم أن الأحداث لم تصل إلى الرعب، باستثناء مشاهد إن تم أستبدال طريقة تنفيذها بطرق أخرى كانت أفضل، لأنها غير مقبولة في بلد عربي، مثل ترك الأسد يلتهم أحدهم بناء على رغبة أحد زبائن سلوى زعيمة الشبكة، وقتل مصارع لآخر أيضًا لمتعة نفس الزبون، تشعر وأنت تشاهد المشهدين وهما في الحلقة التاسعة دخيلين على الأحداث، وعلى مستوى المضمون جاءت الفكرة براقة مثيرة للجدل، ومن المهم أن نقدم دراما متطورة في ظل تكالب المنصات على المسلسلات الأجنبية، ودخول الدراما العربية إلى المنافسة لا يمكن أن تحدث إلا بفكر مختلف ومغامرات كتلك التي قدمها محمد أمين راضي ويسري نصرالله، لم يفكرا في ردود الأفعال، هل ستكون إيجابية أم سلبية.. تلك الإشكالية التي تؤرق كثيرًا من صناع الدراما.