يعتبر ناصر من أكثر الشخصيات التي مازالت تشغل الرأي العام العربي بالنسبة لعلاقته بالدين تتسع الاختلافات حوله إلى النقيض؛ حيث هناك من يرون أنه أهم زعيم إسلامي في العصر الحديث بإنجازاته في نشر الإسلام.
وفى المقابل هناك من اتهمه بالكفر وآخرون بالشيوعية وإفساد الأزهر وغير ذلك من اتهامات معظمها صادرة من رجال دين وبغض النظر عن اختلاف الآراء فهو بلا شك كان له مشروع جاهز من قبل قيامه بالثورة وجاء ليطبقه وهو مؤسس تنظيم الضباط الأحرار، وقبل الثورة درس وانضم لكثير من القوى السياسية؛ حيث انضم إلى حزب مصر الفتاة والإخوان والحزب الشيوعي المصري؛ ولذلك كان ضمن تشكيل الضباط الأحرار ممثلين عن هذه الجماعات، وأصدر في سبتمبر 1952 بعد الثورة بأقل من شهرين قانون الإصلاح الزراعي، بل امتد تأثيره إلى العالم.
ويقول جمال حمدان ناصر قائد وبطل تحرير أرض وثروات العالم الثالث، ويؤكد ذلك جيفارا و منديلا وكاسترو وبومدين ونيريرى وتشيفنيزى وغيرهم، ثم بنجاح تأميم قناة السويس بالدم والإصرار حرر كثيرًا من الدول لتنعم بثرواتها مثل البترول وخلافه، وقد يكون ما سبق سببًا من أسباب مهاجمته والسعي لتشويه صورته كرمز، وخاصة أن ناصر سعى لتوحيد العرب وأسس منظمة العالم الإسلامي ومنظمة الوحدة الإفريقية ومنظمة عدم الانحياز وكل هذا أضر وهدد مصالح الدول الرأسمالية ووقف ضد الكبار بوجه عام؛ سواء في الداخل أو الخارج وهم يملكون كثيرًا من وسائل الإعلام والتأثير ونشر الشائعات وهو بالطبع له أخطاؤه كبشر ونتذكر مقولة الأمريكي جورج ماكيني لن نسمح بظهور ناصر آخر عام 2011.
وبالنسبة للدين ذكر ناصر في كتابه فلسفة الثورة اهتمامه بالبعد العربي والإفريقي والإسلامي وأيضا بدأ بتأييد من جماعة الإخوان وتم تعيين الشيخ الباقوري وهو من الجماعة وزيرا للأوقاف وعبد العزيز كامل ثم سرعان ما بدأ الصراع بينهما حيث اتهمت الجماعة بمحاولة اغتيال ناصر في المنشية وما ترتب على ذلك من اعتقال ومحاكمة إعداد كبيرة من الجماعة وتكررت محاولة أخرى في منتصف الستينيات بقيادة سيد قطب وتمت محاكمته وكان السادات عضوًا في هذه المحاكمة وصدر قانون تطوير الأزهر ويتضمن تعيين شيخ الأزهر بقرار رئاسي، كما كان متبعًا منذ أيام محمد علي إلى فاروق الذي في عهده كان التعيين بموافقة الملك ورئيس الوزراء معا وتضمن القرار إدخال المرأة للدراسة وهي نصف المجتمع وأن تعمل جامعة الأزهر وفقا لنظام الأبحاث العلمية للترقي كباقي الجامعات المدنية ثم إنشاء كليات علمية بالإضافة للكليات الدينية معا، وهذا مصدر للخلاف؛ فالهدف من ذلك كان إرسال طبيب أو مهندس لنشر الدعوة وخدمة الناس وهذا يحدث كثيرا في البعثات بوجه عام، وكان هناك وجهة نظر مضادة أن خريج هذه الكليات يعاني من كثرة المقررات ويكون الخريج في النهاية ضعيفًا في الجانبين الديني والعلمي.
وهنا نتذكر العام الماضي حينما احتفلت جامعة الأزهر بعشرين من علمائها في العلوم تم اختيارهم عام 2021 من جامعة ستانفورد الأمريكية ضمن تقريرها عن أفضل علماء العالم في العلوم كان منهم عشرون من خريجي الأزهر، ومنهم على سبيل المثال د جمال سرور رائد أطفال الأنابيب وعبد الشافي عبادة أستاذ الرياضيات بعلوم الأزهر وهشام البشيش في الكيمياء وكمال رسلان أستاذ الرياضيات وغيرهم.
ثم إذا قبلنا بأن هذا القانون فاسد وضار فقد مضى عليه الآن أكثر من ستين عامًا لماذا لم يتم تعديله أو إصلاحه، بينما تم تدمير ألمانيا واليابان في الأربعينيات وعادوا كقوة عالمية في أقل من ثلاثين عاما، لماذا لم نصلح ما تم إفساده أم هي تصفية حسابات، أو تشويه للصورة.
وبالنسبة لاتهام ناصر بأنه نشر الشيوعية فهي موجودة من قبل ناصر وهو حزب قديم وموجود في معظم دول العالم بما فيها أمريكا، ويقول جمال حمدان المفكر الإستراتيجي أصدقاؤنا هم الذين يرون الحق ويساعدونك والعدو هو الذي يقف مع عدوك وتتفق مواقفه ومصالحه مع عدوك، صديقك هو من يساعدك ويمنحك التأييد والسلاح والمصنع ويشارك في البناء والتعمير ويبنى معك السد، والعدو هو الذي يمد عدوك بسلاحه ليقتل أطفالك وأبناءك وأن الواقع واضح وبدون أي التباس، فروسيا ساعدتنا وتمدنا بالسلاح لندافع عن أنفسنا والغرب وأمريكا سلاحهم في يد عدونا يقتل به أبناءنا، ثم إن كل هذا في النهاية مصالح دولية فليست أمريكا مؤمنة، وكذلك روسيا وكلاهما بعيد عن جوهر وسمو الأديان، بما في ذلك كثير من الدول الإسلامية ثم مراجعة بسيطة نجد أمريكا الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي في نهاية الحرب، وبلا مبرر منطقي إلا لإرهاب الجميع، وقتلت ملايين البشر بلا أي ذنب، فهل هي دولة مؤمنة؟!
والسلاح الذي ضرب أطفالنا في بحر البقر وعمالنا في أبوزعبل وشهداء حروبنا وفلسطين معظمه سلاح أمريكي، وخلال العشرين عامًا الأخيرة فقط قتلت عدة ملايين في العراق وسوريا وغيرهما من بلاد المسلمين، فهل أمريكا صديقة؟! وماذا قدمت لأصدقائها؟! فهل ساهمت في بناء مصانع أو سد أو غيره؟! وفرنسا التي قتلت نحو مليون شهيد في الجزائر فقط!! وماذا عن الدول التي لها قواعد عسكرية لأمريكا وغيرها.
وفى النهاية يكفي مقولة وشجاعة أحد المسئولين الكبار في دولة شقيقة حينما قال في حديثه للواشنطن بوست عام 2020 لقد نشرنا الأفكار الدينية المتشددة بناء على طلبكم والأصدقاء في الغرب لمواجهة ناصر وروسيا وهذا يؤكد في النهاية ان تهمة الشيوعية لعبة سياسية للأسف صدقها البعض، رغم أن ما ارتكبه الغرب وأمريكا ولا يمكن مقارنته على الإطلاق بروسيا أو غيرها عبر التاريخ ولا ننسى أن ناصر حاكم وسجن كثيرًا من الشيوعيين مثل عبدالرحمن الأبنودي وشهدي وغيرهما؛ مما يعنى أن ناصر كان له مشروعه المستقل بما فيه من انتصارات وهزائم، ولم يكن تابعًا للغرب أو للشرق.. وللحديث بقية إن شاء الله.