لقب بـ"أبوالدستور" فهو مؤسس النظام الدستوري ومجلس النواب المصري، أحب مصر وأخلص لها، لو استمع العرابيون لنصائحه لسارت ثورتهم في الاتجاه الصحيح، وكانت مصر أمنت شر الاحتلال البريطاني، وصفه المصريون بـ"صاحب الهمة العالية والنفس الأبية" لمواقفه الجريئة والحازمة ومقاومة الاستعمار، للأسف لا يعرف عنه كثيرون سوى الشارع الذي يحمل اسمه في وسط القاهرة.
ولد محمد شريف في مصر 1826م عن أب شركسي تركي، وكان قاضي القضاة بمصر لمدة عام، ثم غادرها إلى الأستانة لعدة سنوات، عين بعدها قاضي قضاة الحجاز، وهو في طريقه لتسلم عمله مر على مصر ومعه عائلته، وتقابل مع محمد علي باشا الذي أعجب بابنه "محمد شريف" أشد الاعجاب فقد توسم فيه الذكاء والنجابة، لدرجة أنه طلب من والده أن يتركه في مصر على أن يتولى محمد علي تربيته وتعليمه مثل أبنائه، وبالفعل كان له ما أراد.
ألحقه الباشا بمدرسة الخانقاة لتعليم العلوم العسكرية، وسافر ضمن بعثة الأنجال إلى باريس مع علي مبارك ومراد حلمي وعلي شريف وغيرهم من المتفوقين، حقق محمد شريف تفوقًا ملحوظًا، وبعد وفاة محمد علي قرر عباس حلمي الأول عودة جميع الطلاب إلى مصر، فالتحق اليوزباشي محمد شريف بالجيش المصري، ثم تم تعيينه ياوران سليمان باشا الفرنساوي قائد الجيش المصري، لكنه ترك الوظيفة لعدم ترقيته، إلى أن تولى سعيد باشا فكان أميرالاي الحرس الخصوصي، ثم رقي لرتبة اللواء (باشا) لقيادة الحرس الخاص.
وفي 1856م تزوج من ابنة سليمان باشا الفرنساوي وأنجب ابنا وابنتين، تزوجت إحداهما من محرم شاهين باشا، والأخرى توفيقة هانم تزوجت من عبدالرحيم باشا صبري وأنجبا الملكة نازلي زوجة الملك فؤاد ووالدة الملك فاروق.
عرف عن شريف باشا العفة وسداد الرأي، فتم ترقيته لرتبة الفريق، ثم عين وزيرًا للخارجية، فأثبت جدارته، ومن هنا بدأ عمله في المجال السياسي.
زاد مركز شريف باشا السياسي بعد أن عينه الخديوإسماعيل نائبًا عنه لإدارة شئون البلاد ورئاسة المجلس الخصوصي خلال سفره إلى الأستانة، وكانت هذه المرة الأولى أن يعين النائب من خارج الأسرة العلوية، تولي خلال حكم إسماعيل نظارات المعارف إلى جانب الخارجية وتولى الداخلية والحقانية، ويحسب له أنه الوزير المصري الوحيد الذي رفض المثول أمام لجنة التحقيق الأوروبية لسماع أقواله بشأن تسوية الدين العام، وآثر الاستقالة من منصبه حفاظًا على كرامته وكرامة المنصب.
وأثناء توليه رئاسة الوزارة 1879م، أقصى منها الوزيرين الأوروبيين وكانا يتوليان المالية والأشغال، وفي العام نفسه قدم دستور 1879م وهو أول دستور وضع في مصر، وكان له دور بارز في تأسيس مجلس شورى النواب 1866م.
وبعد نفي الخديو إسماعيل اعتذر شريف باشا عن المشاركة في أول وزارة في عهد الخديو توفيق وسافر خارج مصر، ولكن استدعاه الخديو لتشكيل الوزارة فقام بإعداد ما عرف بـ"اللائحة الأساسية للحياة النيابية" ولائحة الانتخابات، ويعتبرها المؤرخون أول دستور مصري، كما أعاد إنشاء مجلس النواب وافتتحه الخديو توفيق في 26 ديسمبر 1881م.
كان شريف باشا يكره الحكم الاستبدادي والتدخل الأجنبي، فكان من مؤيدي العرابيين في مطالبهم، وكان يريد حكمًا دستوريًا صحيحًا، وكان شريف باشا يمثل الجانب المعتدل من الثورة العرابية، ولو استمع العرابيون لنصائحه لسارت ثورتهم في الاتجاه الصحيح، فلم تكن عودة الحياة النيابية تتوافق مع أهداف بريطانيا وفرنسا، لذلك أثارتا العديد من الأزمات والتهديد بالتدخل المسلح منذ يناير 1882م، ومنها عدم السماح لمجلس النواب بإقرار المادة الخاصة بالميزانية بالدستور، بعد أن تم تشكيل لجنة بالمجلس لمناقشة هذه المادة، فرأى شريف باشا لاجتياز هذه الأزمة السياسية، إرجاء البت في القرار النهائي في المادة الخاصة بالميزانية لتفادي التدخل المسلح لبريطانيا وفرنسا، فالتأجيل في حد ذاته لا يضر بالدستور، فطلب من العرابيين تأجيل مادة الميزانية ومفاوضة الدولتين في شأنها، لكنهم أصروا على إقرارها فورًا، فاستقال وسافر إلى أوروبا، وحدث ما توقعه فتم ضرب الإسكندرية بالمدافع في 11 يوليو 1882م، وكانت هذه بداية الاحتلال البريطاني لمصر.
وللمرة الرابعة استدعاه الخديوي لتشكيل الوزارة 1882-1884م، (وقيل إنه عندما عاد إلى مصر ورأى آثار الاحتلال كان يبكي طوال الطريق من الإسكندرية إلى مصر) وكان لديه الأمل في تحقيق النظام الدستوري وينتهي الاحتلال، كما وعد الإنجليز بمجرد توطيد سلطة الخديوي، ولكن ظهرت نية الإنجليز الاستعمارية حين عملت على فصل السودان عن مصر إبان الثورة المهدية، إذ نصح الإنجليز الخديوي بإجلاء الجيش المصري عن السودان بحجة العجز عن مقاومة الثورة المهدية.
وفي حقيقة الأمر كان غرضهم إعادة فتح السودان مع مصر ليشاركوها فيه، فعارض شريف السياسة البريطانية قائلًا جملته الشهيرة: "لو تركنا السودان فالسودان لن يتركنا"، وعندما رأى ميل الخديوي إلى تلبية مطالب الإنجليز استقال وسافر إلى النمسا إلى أن توفي بها 1887م، وأمر الخديو توفيق بإحضار جثمانه ليدفن في مصر.