راديو الاهرام

أسامة سرايا يكتب: وردة إلى هدايت عبد النبي وأسامة النشار

10-3-2022 | 12:29

حملت الأنباء رحيل وردة صحفية من الجيل الذهبى، هدايت عبد النبي، السفيرة التي يسبق اسمها أو لقبها أو عملها، لأنها كانت كذلك منذ تخرجت في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، والتحقت بمكتب الأستاذ هيكل، ثم ذهبت مختارة إلى صالة التحرير، ثم مثلت الأهرام في رئاسة الجمهورية أو وزارة الخارجية، والتقت زعماء العالم وكبار دبلوماسييه، وكان لها باع طويل في المؤتمرات والمنتديات الدبلوماسية والعالمية، وكرمتها الخارجية المصرية والأمم المتحدة في نيويورك وجنيف معًا.

مازلت أتذكر حواراتي معها في صالة التحرير، وحول بحيرة جنيف، كما أتذكر زميلنا المشترك أسامة صادق النشار، ابن القسم الخارجى الذى ترك الأهرام إلى أمريكا، وهاجر وكون اسما عظيمًا في كل الدوائر الأمريكية، ولم ينس مصر ولا الأهرام، وكان يخصني بالأفكار المبتكرة، والأخبار التي تسبق عصرها.

رحل النشار مبكرًا بالسرطان منذ عامين، ويعيش في ذاكرتي، واليوم رحلت نوارة الأهرام هدايت عبد النبي، وهي تقترب من عامها الخامس والسبعين، وكانت قد دخلت الأهرام في ريعان شبابها، ورفضت الزواج، لأنها تزوجت الأهرام والصحافة الدبلوماسية، وتربعت على قمة صحفييها، كان يحسدها كل أبناء جيلها وكل المتابعين لها، فهي كانت قادرة على التقاط الخيط السياسي الصعب، وصياغة قصتها الصحفية بالعقليتين المصرية والغربية معًا.

وصلت قصتها إلى ذروة رفيعة بالأفكار المبتكرة والاكتشافات التي تسبق بها الآخرين من معاصريها الذين يعملون في مخازن التفكير السياسي والإستراتيجي والدبلوماسي، والأهم في هدايت عبد النبي هو سؤالها المبتكر. كل من يتابع المؤتمرات العالمية التي عقدت في مصر وجنيف في العالم، كان يحسدها على دقة السؤال، الذي كان يترجم فهمها لمهنة الصحافة.

هدايت عبد النبي، دبلوماسية صحفية بالمعايير العالمية، كانت تستطيع بسؤالها استخراج أهم المعلومات والأخبار من مصادرها، رأيتها بأم عينى عندما تنتهي المؤتمرات الصحفية، كان كبار وزراء الخارجية الأمريكيين والأوروبيين يسألون عن الصحفية المصرية التي وصلت إلى قمة المعرفة ودقة السؤال الذي يلزم المصدر مهما كان رفيعًا، ويريد إخفاء المعلومة أو الخبر إلى البوح به وإعلانه، حتى لا يتعرض للإحراج أمام الرأي العام.

هكذا كان الصحفيون المصريون، وهم يقودون عالمهم العربي وينتشرون في كل العالم، يعبرون عن ثقافتنا وقدرتنا وسيادتنا الإعلامية، لم تكتف هدايت عبد النبي، الزهرة الراحلة، بالتفوق المهني، فاتجهت إلى إنشاء المؤسسات أو البنية التحتية التى تحمي المهنة، فكانت لها مؤسسة في جنيف لحماية الصحفيين في زمن المخاطر، وكافحت بنفسها، لم تكن وراءها دولة أو مؤسسة لتحميها وتساعدها، هي من الأبطال فعلا.

الأستاذة الراحلة هدايت عبد النبي

قبل رحيلها تواصلت معها، وذكرتني بأنني الصحفي الذي أعادها للأهرام، وشجعها لتمثيلها والكتابة من جديد. ذكرتنى هدايت الراحلة بأسامة النشار، وكيف أنهما كونا نموذجًا للإعلامي المتخرج في مؤسسة عريقة اسمها الأهرام، اعتمدا في أخبارهما على العالم، وتحليل ما يحدث فيه من تطورات متلاحقة، عندما يلتحق المصري الكفء المقتدر في المؤسسات العالمية؛ مثل الأمم المتحدة وغيرها، باقتدار وهيبة وعلم.

رحم الله الكبار وهم يرحلون، لهم منا كل تقدير واحترام، كانت لنا أيام في العمل بتفوق واقتدار، اكتسبت فيه صحفنا مكانة عالمية في عالمنا، كنا فيها في مركز الصدارة والسيادة والريادة الإعلامية في العالم بحق، وفي إقليمنا بالكفاءة والاقتدار المهني الرفيع، كانت هدايت عبد النبي نموذجًا لا يسعدها في حياتها إلا الخبر والسبق الصحفي الذي يعترف به الجميع، والتحقيق والحوار المعمق، والعمل المتواصل الذي يلبي طموح الصحفي، ويشبع القارئ النهم الذي يريد أن يعرف ولا يتوقف، ويبحث باستمرار عن الصحفي أو الصحيفة التي تلبي احتياجاته ونهمه للمعرفة والتحليل، ليكون الرأي الصحيح، ويقف على أرض صلبة.

الراحلة هدايت عبد النبي، لها حقوق في عقولنا، علينا الاعتراف بتفوقها، وأن أداءها وأخلاقها وسلوكها المهني وتفوقها محفور في جبين الصحيفة التي عشقتها: الأهرام.

تحية وباقة ورد كبيرة لذكرى صحفيين، رحلا وأعطيا ولم يبخلا على قرائهما أو صحيفتهما، وأعترف من قلبي بأنني أحبهما وأعشق أداءهما المهني، طالما غذتنا هدايت بالمعلومات والأفكار التي كنا نقدمها لقارئ الأهرام كل صباح في الصحيفة، وطالما قدم لنا أسامة النشار كل المعلومات، ولم يبخل على الأهرام أو بلده بما يحدث حوله من تطورات حتى لو عرض نفسه للخطر أو المخاطر، وها أنا أعترف وأقدر احترامهما وتقديرهما إلى آخر العمر، تحية إلى روح هدايت عبد النبي، وإلى أخي أسامة صادق النشار، تخرجا معًا في الجامعة الأمريكية، وانطلقا من الأهرام إلى العالم في أوروبا وأمريكا.

الأستاذ الراحل أسامة صادق النشار

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مصر السيسي التي نحلم بها

بعد 10 سنوات على ثورة 30 يونيو التى لم تشهد مصر مثيلا لها فى تاريخها كله، تمثلت فى خروج الشعب، دفاعا عن تاريخه وهويته، التى كادت تسلب منه، وتسقط تحت أقدام

أنس جابر وزيرة السعادة لكل العرب

فتاة تونسية من سوسة بنت الطبقة الوسطى، سحبت البساط من تحت أقدام كرة القدم، وشعبيتها الأسطورية وملايينها، أنس جابر أعادت لنا الأمل فى أن تنتعش كل اللعبات

الأكثر قراءة