فجأةً بين عشية وضحاها ارتفعت الأسعار؛ هكذا دون سابق إنذار؛ قد تكون الحرب الروسية الأوكرانية نذير شؤم؛ ولكنها لم تبدأ أزماتها حتى الآن؛ كما أنه من المتوقع أن يشعر العالم بتداعيات تلك الأزمة تاليا.
ولكن ليس كما حدث عندنا؛ فأول الغرائب؛ كانت في ارتفاع سعر الخبز الحر؛ من جنيه لجنيه ونصف؛ هكذا في لحظة واحدة زاد سعره بنسبة 50 %؛ رغم تأكيد الحكومة أن لدينا مخزونا إستراتيجيا يكفي لمدة أربعة أشهر؛ بخلاف المقدر حصاده من المحصول؛ وكل ذلك يعني؛ أننا بعيدون عن أزمة القمح لمدة طويلة نسبيا.
وعليه فما المبرر لزيادة سعر رغيف الخبز؟
زد على ذلك الزيادة الغريبة في أسعار الدواجن ومنتجاتها من البيض؛ لا يوجد أي مبرر على الإطلاق لزيادة أسعارها؛ فلا توجد أزمة في إنتاجها أو تواجد الأعلاف الخاصة بها؛ كذلك الحال في اللحوم الحمراء؛ أي منطق يبرر زيادة أسعارها بهذا الشكل العشوائي؛ ولمن تذهب أرباح تلك الزيادات؟ وكيف يتحمل المواطنون تلك الزيادات العشوائية؟
حدثني أحد البسطاء عن زيادة تعريفة ركوب وسيلة مواصلات داخلية؛ من 2 جنيه ونصف لثلاثة جنيهات؛ فسأل السائق؛ لماذا الزيادة؛ فأجاب؛ لقد ارتفع سعر رغيف الخبز؛ فرد عليه الرجل البسيط؛ وهل تضع خبزا للسيارة بدلًا من البنزين؟ ولم تنته الأزمة بيسر.. قد يرى السائق أن السبيل لتعويض زيادة سعر الخبز؛ يكون من خلال زيادة تعريفة الركوب؛ وهلم جر!!
ولعل هذا ينقلنا للسؤال التالي؛ هل تأكل المواشي القمح كغذاء لها فبالتالي ارتفع سعرها؛ وكذلك الحال بالنسبة للدجاج على سبيل المثال؛ هل أضحي علفها من القمح؟ أعلم أن الأسئلة صعبة؛ ولكنها ضرورية لمحاولة فهم ما يحدث؛ فقد تكون الإجابة مفسرة لما يدور حولنا!!
منذ عدة سنوات؛ عند نشوب أزمة في وجود العملة الصعبة؛ واكبها ارتفاع واضح في سعر الدولار؛ شاهدت رجلا يشتري "كوز" من الذرة المشوي من أحد البائعين؛ ووجد الرجل زيادة غير متوقعة في سعره؛ وبسؤال البائع؛ كان رده واضحا؛ الدولار غلي!
أتذكر تلك الواقعة؛ وأنا أشاهد ارتفاعًا جنونيا غريبا وعجيبا؛ استنادًا لتوقع حدوث أزمة في المعروض نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية؛ وللحقيقة لم تبدأ الأزمة فعليا؛ فما العمل حينما يأتي التأثر بشكل حقيقي.
أما الأكثر غرابة؛ فهو ارتفاع أسعار عدد كبير جدا من المنتجات المحلية؛ التي ليس لها علاقة بالأزمة التي لم تبدأ بعد؛ وكلها تتصل بشكل مباشر تماما بالمواطن؛ وبلا شك تؤثر فيه؛ وتكبده ما لا ناقة له به؛ ومن ثم الدخول في آتون الاكتواء بنار الأسعار دون داع.
إن ما يحدث حاليا من زيادات مطردة في أسعار عدد كبير من المنتجات؛ وأغلبها غذائية؛ هو اختبار حقيقي لقدرة الحكومة على ضبط إيقاع الأسعار؛ فهي الوحيدة القادرة على تلجيم هؤلاء المسعورين؛ الذين نامت ضمائرهم واستحلوا أكل الحرام!
وقرروا أن يقتاتوا من دماء الناس وقوتهم؛ وتصوروا أنهم قادرون على ذلك؛ لأن ما يحدث هو ضرب من الجنون؛ لقد تحمل الناس وهم مقتنعون تماما الآثار الجانبية لتعويم الجنيه؛ إيمانًا منهم بصحة ذلك الإجراء وكذلك ضرورته؛ لكن من الصعب بل من المستحيل أن يتحملوا جشع التجار.
فذلك مساس بسلامة المجتمع وكذلك أمنه الداخلي؛ فهل تتدخل الحكومة؛ وهذه مسئوليتها الأولي في ضبط الأسعار بما يحقق العدالة المجتمعية؛ وفي إطار من الشفافية المطلقة؛ لا سيما أن الأزمة لم تبدأ بعد؛ وعند بدايتها سيكون هناك شئون أخرى؛ من المؤكد أن منها زيادة في الأسعار؛ وبهذا المنوال؛ يمكن أن يأتي يوم وتتضاعف الأسعار؛ فهل هذا مقبول؟
سؤال يتردد على ألسنة كل الناس؛ بكل مستوياتهم؛ فرفقًا بالمواطن الذي لم ولن يتأخر عن دعم وطنه بكل ما يملك؛ ولكن ما يحدث حاليا خارج نطاق المنطق؛ وغير مقبول؛ لأنه غير مبرر.
والله من وراء القصد،،،
[email protected]