راديو الاهرام

د. آيات الحداد تكتب: الدبلوماسية والسياسة ما بين الواقع والمأمول

6-3-2022 | 16:52
الأهرام المسائي نقلاً عن

كثيرًا ما نسمع مصطلح سياسة ومصطلح الدبلوماسية، وانحصرت السياسة والدبلوماسية في بعض المهن رغم أنه في  الحقيقة السياسة والدبلوماسية فن وأسلوب تعامل في الحياة ليست فقط على مستوى الدول بل و الأفراد وبين البشر بصفة عامة والبعض يعتقد أن الدبلوماسية هي التعبير عن أسوأ النوايا بأجمل الألفاظ! والبعض الآخر يعتقد أن السياسة هي خداع البعض! وتتعدد مفاهيم الدبلوماسية باختلاف المواقف، فحينما يتم استخدامها كحل لإنهاء خلاف بين العديد من الأطرف، فالدبلوماسية حينها الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف بل أن يشعر كل طرف أنه تم إرضاؤه، ويتم استخدامها للخروج من حوار بدون الوقوع في خطأ أي الإجابة على العديد من الأسئلة بدون أن يستطيع أحدهم التصيد لأخطاء وهكذا، أما عن السياسة فاصطلاحًا تعني رعاية شئون الدولة الداخلية والخارجية وتعددت أيضًا مفاهيم وتعاريف السياسة، ومصطلح سياسة يأتي من تسيير الأمور!

وانطلاقًا من فكرة ارتباط الدبلوماسية والسياسة بحياتنا، فإن التعبير عن الرأي والجدال أيضًا فن وموهبة لا يمتلكها الكثير، وبالرجوع لكتاب الله ومحاولة تفسير آياته تبيّن لي أن الله  ضرب لنا أروع مثل للجدال والحوار وهو الذي دار بين سيدنا إبراهيم والملك عندما جادل سيدنا إبراهيم الحاكم جادله بطريقة تتسم بالأدلة والبراهين قد نسميها في عصرنا هذا دبلوماسية ويُطلق البعض أيضًا عليها سياسة، فقال الله سبحانه وتعالى: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ"،  فعندما ظن الملك بأنه الإله، قال له سيدنا إبراهيم رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ، فهنا حدث خلاف في التأويل! فالملك يقصد أنه عندما يأمر بقتل إنسان بأنه المميت، وعندما يأمر بالعفو عن قتل إنسان بأنه المُحيي! ولكن سيدنا إبراهيم يقصد أن الله هو من يحيي ويميت بلا قتل! وعندما قال له سيدنا إبراهيم "إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ" فلم يستطع الرد على هذه الحجة لأن ليس بها تأويل أو مفهوم أو معنى آخر! فيعلمنا الله سبحانه وتعالى السياسة والدبلوماسية كما ينبغي أن تكون، فإذا حاورت إنسانا فابدأ بحجة قوية لا يستطيع الرد عليها! فالنبي إبراهيم عندما رأى الملك مأولًا أتى له بموضوع غير قابل للتأويل، وضرب لنا الله مثلا آخر: " أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ"، للوصول لليقين في المعلومات والحوار ، فاليقين الاستدلالي رؤية الدخان أما اليقين الاستشهادي رؤية النار.

فيجب أن نعرف كيف نختلف؟ فهناك اختلاف طبيعي بين الناس اختلاف ناتج عن نقص المعلومات فقال الله تعالى: "كان الناس أمة واحدة فاختلفوا"، وهذا الاختلاف طبيعي ناتج عن اختلاف فكر ناتج عن نقص المعلومات عند البعض واكتمالها عند البعض الآخر، فبمجرد العلم بالمعلومات الناقصة تكتمل الصورة ويذهب الخلاف، أما الاختلاف غير الطبيعي وهو المبني على الجهل أو الشهوات والأهواء، هذا الخلاف يكون الغرض من ورائه سيئ، اختلاف مبني على الظلم، وذَكَرَ الله ذلك في مُحكم كتابه فقال: " وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ"، فنجد اليوم اختلافا وصراعا بين جماعة وأخرى سواء اختلاف عقيدة أو اختلاف لمجرد الاختلاف، فهذا اختلاف مبني على الأهواء والمصالح، لأن الحق واحد لا يحتاج إلى اختلاف، وهناك اختلاف تنافس فالبعض يتنافس من أجل أن يُفرض رأيه ولو كان غير صحيح، اختلاف من أجل إسقاط الآخرين والانتصار عليهم ظُلمًا وافتراءً: "وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا"، فقبل أن تأتي البينات كان الخلاف طبيعيا، أما بعد أن ظهرت البينات إذًا الخلاف من أجل الشهوات والمصالح والمطامع، ولكن اختلفوا "فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ ". فالاختلاف مطلوب ليُفرز الله المؤمنين من الكافرين، ليُفرز الحق من الباطل، لُيميز الخبيث من الطيب، إذًا الاختلاف مطلوب لحكمة أرادها الله عز وجل ولكن المهم نعرف كيف نختلف وكيف نتحاور ومع من نتحاور حتى نُحقق الفائدة من الاختلاف، فالمحاورة والجدال والنقاش لا تنتهي ليوم القيامة، وكل شخص له معتقداته وآراؤه ولكن حتمًا هناك طرف على حق وهناك طرف يظن أن الحق معه أي باطلًا فعندما يكون هناك موضوع محور نقاش، الذي ينتصر دائمًا في الحوار من كانت حُجته أقوى، والحُجة تأتي من الحق والإيمان، فيجب أن نتعلم كيف يكون الحوار والنقاش وألا نحوله لخلاف بل لإضافة معلومات وتصحيح مفاهيم وأخطاء .

 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة