أن تلقي حجرًا في البحيرة الراكدة خير من أن تستلقي بجوار النهر، فشجاعة الرغبة في التغيير ومواجهة التحديات لابد أن تحدث فرقًا وتكسب خبرة جديدة ونتيجة كبيرة تصنع الفارق، هذا بالضبط ما يفعله مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة في كل مرة يقام فيها على ضفاف نيل أسوان الساحر ووسط أهل أسوان الطيبين، فقلوبهم من ذهب مثل اسم بلدهم أرض الذهب.
اكتسب المهرجان شعبية بين أهالي الصعيد وليس أهل أسوان فحسب، فخلال هذه الدورة السادسة شاهدت نساء ورجالا وأطفالا من محافظات سوهاج وقنا ومن النوبة يحضرون من قراهم للمشاركة في فعاليات المهرجان، والتي لا تركز فقط على مشاهدة الأفلام بل لنشاطه الممتد بعدة فعاليات ترفع شعار الفن للتنمية يشارك فيها الجميع كبارًا وصغارًا وجمعيات أهلية، الكل يتحدث عن تخصصه وما قدمه لمجتمعه، والأطفال يرسمون ويغنون ويقدمون مسرحيات ويعرضون أفلامهم من خلال سينما الموبايل يعبرون فيه عن مجتمعهم ويطرحون أحلامهم.
وهذا التفاعل الحي يكسب مهرجان أسوان خصوصية وتفردًا وثقلًا مجتمعيًا، وكما قالت حمدية الفتاة الأسوانية: "أحلى حاجة إن المهرجان بيجي لحد دارنا".
"الأفلام تصلح ما فشل فيه السياسيون" حكمة قالتها السفيرة ميرفت تلاوي رئيسة مجلس أمناء إدارة المهرجان خلال حفل الافتتاح، وأكدت أن بناء الإنسان يلزمه الوعي من خلال استخدام الفن والثقافة للتنمية، وهو ما يقوم به باحترافية مهرجان أسوان.
تلك الفعاليات المجتمعية بجانب مشاركة الأفلام التى لها طابع نسوي مثل فكرة الفيلم أو مشاركة النساء في صناعته كالتأليف أو الإخراج أو الإنتاج مع التمثيل طبعًا، حيث شاركت 18 دولة قدمت 36 فيلمًا، وتكريم المبدعات مثل النجمة الفرنسية مارلين كانتو، والفنانة المصرية سوسن بدر.
وكما أكد السيناريست محمد عبدالخالق رئيس المهرجان أن الذي أسس لصناعة السينما في مصر نساء ونحن نكمل مسيرة المبدعات الأوليات.
تذكرت المثل الصيني القديم "العقل المغلق كتلة من الخشب"، وأنا أتابع الفعاليات المجتمعية للمهرجان من خلال الجهد الشاق والمتميز لجمعية مهرجان أسوان لأفلام المرأة ومؤسسة نوت التي ترأسها د.عزة كامل بالتعاون مع مؤسسة بلان إنترناشيونال والتي تعمل في عدة محافظات بالصعيد على التنمية لمكافحة أشكال العنف ضد الأطفال والنساء مثل التوعية بقضايا الختان والزواج المبكر.
النماذج التي تحدثت وعرضت تجربتها كانوا شبابا من قلب محافظات الصعيد من القرى، والأبرز أن هناك شبابا من الذكور كانوا متحمسين جدا لضرورة تعليم البنات وعدم تزويجهن مبكرا، وأكد الجميع على أن تدريب الصغار والشباب من الجنسين وتشجيعهم على كتابة الأغاني والمسرحيات وصناعة الأفلام بالموبايل والتمثيل من خلال المسرح التفاعلي لعرض هذه الأفكار من أبناء القرى أنفسهم وعرضها على أقرانهم كان يعطي نتائج إيجابية وهو ما ذكرني بفكرة عروض أراجوز القرية زمان ومتجول البيانولا.. فلا يزال فعلا للفن سحره الذي يغمرك دون أن تشعر ويؤثر فيك.
وذكرت إنجي سليمان نائبة مؤسسة بلان أنهم استطاعوا بالفن وقف 30 عملية ختان لبنات.
استمرار هذا الجهد مطلوب لأن تغيير العقول أصعب كثيرًا من بناء الحجر ويستغرق وقتًا.
حكى إبراهيم من سوهاج أحد المدربين أنه برغم صدور القانون بمعاقبة الطبيب وإغلاق عيادته إذا ضُبط يجري عمليات الختان فإنه يتم التحايل والطبيب يؤجر شقة بالاستعانة بسمسار ويجمع له البنات ويجري لهن العملية وكل منطقة ولها سعرها فمثلا فى قرية بسوهاج بـ400 جنيه، وفى أسيوط بـ150جنيهًا، وهناك ممرضات يقبلن بخمسين جنيهًا فقط.
دائمًا أقول إن هناك رجلًا مساندًا وآخر معاندًا، وفي ورش منتدى نوت حكت المعلمة صافيناز محمد إبراهيم رئيسة مؤسسة نساء الجنوب أنها كانت تعمل وكيل وزارة التربية والتعليم، وكيف حاربت لتصل إلى هذا المنصب الذي كان حكرًا على الرجال، وكيف أن زوجها ساندها حتى بعد المعاش وشجعها على تأسيس الجمعية لخدمة نساء أسوان، في حين أن أخاها كان هو النموذج للرجل المعاند، ولا تزال معه في رحلة كفاح لأخذ ميراثها الذي حرمها منه هي وشقيقاتها البنات بعد رفضه تقسيمه عليهن.
وحكت أخرى بكل فخر أنها أصرت على تقديم ابنتها للجامعة برغم أن تنسيقها كان في مطروح، فسافرت بابنتها من أسوان وتحدت زوجها وقال لها: البنت لها الجواز قالت له: كفاية أمها ربة منزل وبسبب هذه الأم استجابت إدارة التنسيق بالمحافظة، وتم تخفيض درجات التنسيق درجتين واستفادت من هذا القرار 18 فتاة أسوانية بدلا من انتقالهن إلى مطروح.. هكذا التغيير يصنع الفرق.
ولذا أقترح على د.عزة كامل رئيسة منتدى نوت والدينامو الحقيقي لكل هذه الورش المجتمعية أن تقدم جائزة سنوية فى المهرجان باسم جائزة "الرجل المساند" ليكون نموذجًا يحتذى به فى مجتمعهم.
عام 2022 هو عام المجتمع المدني ولابد أن يكون أجندة عمله أكثر تفاعلا مع الجمعيات بالقرى والنجوع وليس في المحافظات فقط من خلال أنشطة تدمج النوع الاجتماعي لخلق المساواة بين الجنسين.
فالحلم هو مدن آمنة للبنات وخالية من العنف للجنسين والفن للتنمية هو البداية.
ولن أجد ما أختم به ـ لنظل نؤكد على أن صناعة التغيير ممكنة وتبدأ بحلم وبعدها يلزم العمل والإيمان بما نفعله ـ خيرًا من قول الكاتب الصحفي حسن أبوالعلا مدير المهرجان بأن الإنجاز يبدأ بحلم ونحن سنظل نحلم.
[email protected]