راديو الاهرام

مهدي مصطفى يكتب: يوم آخر بعد أوكرانيا

1-3-2022 | 14:27
الأهرام العربي نقلاً عن

الرئيس فلاديمير بوتين، قرر أن يتكلم أخيرًا كأنه زرادشت.. وقف على المسرح كأنه أحد أبطال شكسبير. 

كان خطابًا للرثاء والأنين، استعرض فيه ثلاثة قرون من جراح الكرامة الروسية، وقف عند محطات فاصلة، روسيا القيصرية، ومناهضتها لمحاولات الألماني بسمارك والفرنسى بونابرت، روسيا البلشفية، وروسيا المحاربة مع الحلفاء ضد النازي الألماني أيضًا، روسيا المنهارة مع تفكيك الاتحاد السوفيتي، روسيا المغبونة من حصار تخومها القريبة.

كأنه كان يصرخ بصمت، عن تلك الأوكرانيا، وما تمثله في التاريخ الروسي، كاد أن يقول، إن أوكرانيا هي الطريق الرخو إلى قلب روسيا، وإذا حدث ووقعت بين براثن حلف الناتو، فإن روسيا ستتحول إلى إحدى جمهوريات الموز، يلعب بفنائها الخلفي أي مغامر.

في تلك اللحظة قرر الاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوجانسك الشعبيتين، وتقعان شرق أوكرانيا في إقليم الدونباس، المنقطع عن أوكرانيا منذ أزمة 2014، والثورات الملونة.

كان معه في نفس الصف أعضاء الدوما الروسي” البرلمان”، وأركان نظامه الكبار، ثم أعضاء الاتحاد الروسي، وأخيرًا طالبهم بالتفويض بإرسال قوات إلى خارج البلاد وحصل عليه.

لغة الجسد تشي بأنه كان يتذكر الخروج الروسي من ألمانيا الشرقية، ومن وسط أوروبا، ومن أوروبا الشرقية بندم.

أشار في خطابه إلى وعود الغرب، معترفًا بسخرية مرة بأن بلاده خرجت من هذه الدول طواعية، ودون أدنى مشكلة، وكشف عن حوارات جانبية مع قادة الغرب، خاصة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، عندما حاوره عام 2000 عن انضمام روسيا لحلف الناتو، ولم يكن كلينتون رئيسًا لحظتها!

بوتين مرة أخرى قال في مؤتمر صحفي مع الرئيس الأذربيجاني إلهام عالييف في اليوم التالي لخطابه الشكسبيري: إن الغرب كاذب، حين يدعي بأن روسيا تريد أن تعود إمبراطورية عظمى، لكنها تريد أن يتم احترام مجالها الحيوي، والوفاء بالوعود المقطوعة منذ ثلاثين عامًا بأن الناتو لن يضم جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، بينما الناتو في الواقع يواصل الزحف، إلى أن وصل إلى أوكرانيا الممر الناعم إلى قلب روسيا.

حاول بوتين أن يشرح نفسه كروسي، محاصر من قوى غربية، وأتباع جدد لهذه القوى، طالما سعت إلى الحصول على الأوراسيا، ومن يحصل على هذه الأوراسيا يحصل على العالم، كما قال عالم الجغرافيا البريطاني هالفورد ماكندر، صاحب نظرية قلب اليابس، من سهل باريس إلى قلب آسيا.

انفصال الدونباس عن أوكرانيا رسميًا لن يعترف به الغرب بالطبع، ولا الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن، وبالطبع سيتم فرض عقوبات اقتصادية غربية على روسيا، وسيتم الضغط عليها من خلال حلفاء الغرب في كل مكان، وقد تصل العقوبات إلى خطرين، الأول هو قطع روسيا عن نظام سويفت المالي العالمي، والثاني وهو الأهم والأخطر، أن يفكر صناع النظام الدولي الحالي في تحريك القطع على المسرح، وتظهر من قلب الأدراج السرية فكرة جهنمية، طالما أطلت برأسها بين حين وآخر، وهي أن روسيا ليست وحدها وريثة الاتحاد السوفيتي، وليست المستحقة للعضوية الدائمة لمجلس الأمن، وبالتالي يعاد النظر في عضويتها ضمن الخمسة الكبار: أمريكا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا، ثم إخراجها من المحفل الأممي، وهذا أمر جلل قد يصل إلى الصين أيضًا، ثم يعاد ترتيب القوى الجديدة على طريقة القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية.

والحرب العالمية الثالثة تدور الآن بصمت هادر، تدور بطريقة لا تخطر إلا على بال الشياطين، فلنتأمل ما يجري في أوكرانيا، وما يجري من تظاهرات في قلب العواصم الكبرى ضد لقاح كورونا، ثم استمرار توابع الربيع الأسود في المنطقة العربية، ثم أخيرًا نبوءات بيل جيتس عن الوباء الجديد الأكثر فتكًا.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: