لن تتخلى عن أوكرانيا، عهد اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية على نفسها منذ الحرب الباردة من القرن العشرين، وبوتين يحلم بعودة قبضة ستالين القوية لإمبراطورية السوفيت، ويناور أمريكا وحلفاءها الأوروبيين ليمحو صورة يلتسين الضعيف من عقولهم.
والإصرار الأمريكي في الحفاظ على استقلال أوكرانيا بعيدًا عن روسيا يرجع إلي نصيحة السياسي الداهية "زيجنيو بريجنيسكي" مخطط الحرب السوفيتية الأفغانية، ومفاده نصيحته أن أوكرانيا تعد ثقل الميزان لروسيا، وهي طريق العودة إلى بناء إمبراطوريتها من جديد، ولذا ينبغي أن تحظى باهتمام وتركيز الإستراتيجية الأمريكية على الأمد البعيد.
وبريجنيسكي خبير في الشئون السوفيتية، وتولى عدة مناصب في عهدي كيندي وكارتر، وكان آخرها تنصيبه مديرًا لمجلس الأمن القومي للبيت الأبيض في عام 1977، ولعبا دورًا في مفاوضات السلام في كامب ديفيد، وأشار بفتح أول سفارة لأمريكا في الصين.
وكادت الولايات المتحدة أن تخسر المعركة الأخيرة مع الاتحاد السوفيتي، بسبب دعمه العسكري واللوجيستي المستمر في فيتنام وكوبا، وإلحاق بأمريكا هزائم متتالية، ولكن خطة الداهية زيجنيو بريجنيسكي في جر السوفيت إلى فخ استنزاف قوة السوفيت في أفغانستان، هذا البلد الجبلي العنيد.
وأشعلت أمريكا فيه الخلافات، ودعمت معسكر الأفغان المعارضين، ثم أقنع كارتر بتقديم مساعدات للمقاومة الأفغانية الإسلامية، لاستفزاز الجانب السوفيتي لسرعة تدخله في الأراضي الأفغانية، ووصفها كارتر بفيتنام الخاصة بالاتحاد السوفيتي.
ولا ينسى أهل أوكرانيا التاريخ الأسود للروس في بلادهم، وما مارسه جوزيف ستالين بحقهم في فرض إجراءات عقابية قاسية، وشهدت خلالها أوكرانيا أحد أكبر المجاعات في تاريخ البشرية في الفترة بين عامي 1932 و1933، ونزح 200 ألف أوكراني إلى سيبيريا وآسيا الوسطى بالتعاون مع النازيين، الذي يدعي لافروف وزير الخارجية الروسي أن حربهم في أوكرانيا لمواجهة النازيين الجدد.
والتحرك الروسي جاء عقب ضم حلف الناتو لدول الاتحاد السوفيتي السابقة في أوروبا تقريبًا، وذلك على مدار ثلاثة عقود، ولم يفصل حاليًا بين روسيا ودول حلف الناتو سوى أوكرانيا وبيلاروسيا، واستطاع بوتين في عهد أوباما السيطرة بشكل خاطف على شبه جزيرة القرم، ويطالب حلف الناتو برفع يديه عن أوكرانيا تمامًا وإلى الأبد، حتى يوقف الحرب.
وانتصار روسيا في أوكرانيا يبقى الأمر الأكثر شؤمًا على الغرب، ويفرض على أمريكا وحلفائها إنشاء نظام أمني أوروبي جديد، أما في حالة نجاح أمريكا في إدارة سيناريوهات المعركة على الأرض وحسمها لصالحها، يمكن أن تجعل من أوكرانيا «أفغان» جديدة للروس، وبناء عليه قد ترد كييف للطرف المنتصر أركان نفوذه.
Email: [email protected]