يستعد مجلس النواب أخيراً لمناقشة مشروع قانون الفحص الطبي الشامل قبل الزواج، وهنا نحن نثمن توقيت تمرير مشروع القانون؛ بعدما تحيرنا كثيراً الفترة الماضية ووقفنا عاجزين عن تفسير ارتفاع معدلات الطلاق وازدياد ظواهر العنف الأسري بين الأزواج، وكَثُرت جرائم القتل؛ والتي أُزهقت فيها أرواح بعد مشاحنات زوجية ودُمرت أسر بأكملها وشُرد أطفالها!
والحقيقة أن تلك الظواهر تفشت في مجتمعنا على كافة أصعدته الاجتماعية ولم تعد مقصورة على طبقة بعينها - طبقة العوز والحاجة- بل امتدت لأصحاب المناصب والبعد الاجتماعي الراقي تصنيفًا.
وإذا ما استبعدنا الشق الديني المُتمثل في المودة والرحمة والقوامة، وإذا ما غضضنا الطرف عن انعدام مسئولية الطرفين وتفاوت درجة تقديس الحياة الزوجية عند كليهما؛ سنجد أن مواد هذا المشروع القانوني تعتبر خادمة إلى حد كبير في كبح جماح الوقوع في الطلاق أو التناحر أو الجريمة، كما تُعد أولى الخطوات الجدية نحو الحد من الأمراض الوراثية والتي تتسبب في نسل مريض وضعيف.
فالمادة الأولى حددت مجموعة إجراءات شاملة التحاليل والفحوصات المُختبرية والأشعة التشخيصية، وغيرها من الخطوات من أجل الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية المناعية والمعدية، وكذا الفحص الشامل للذكورة والنساء، والصحة النفسية.
وأوجبت المادة الثانية إنشاء برنامج إلكتروني كامل بوزارة الصحة يسمى برنامج "الفحص المبكر للأمراض الوراثية"، كما تقوم عليه وحدات مركزية وفرعية تتولى تحديد المستشفيات والوحدات الصحية لطب الأسرة المناسبة لهذا المشروع على مستوى الجمهورية، ويتم استحداث قواعد بيانات دقيقة عن الحالة الصحية للمواطنين في سن الزواج، مع سرية هذه البيانات.
واستحدثت المادة الثالثة من مشروع القانون، إنشاء إدارة التأهيل النفسي، وذلك في محكمة الأسرة، وتحدد اللائحة التنفيذية قواعد تعيين الخبراء النفسيين والاجتماعيين ومقررات دورة التأهيل النفسي والاجتماعي، ويختص وزير العدل بتنظيم العمل بمكاتب التأهيل؛ وهو مانعده خطوة لرأب صدع الخلافات، وخطوة تبصيرية للزوجين وخاصة في حالة جهل بأي مرض نفسي لديهما.
واللافت في مشروع القانون، المادة ١٨ و ١٩، والتي يندرج تحتهما عقوبات المخالف؛ حيث الحبس مدة لا تجاوز سنة والغرامة التي لا تتجاوز ٥٠ ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين، وذلك لمن أفشى سرًا يتعلق بشهادة الفحص، كما يعاقب المأذون أو الموثق الذي يخالف أحكام القانون بالحبس مدة لا تجاوز سنة والغرامة التى لا تجاوز 50 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، يشمل هذا جميع مواطني جمهورية مصر العربية بما فيه لو كان أحد الطرفين غير مصري.
جاء القانون ملزماً المقبلين على الزواج بالكشف على جميع أجزاء الجسم شاملا تقييم الحالة العقلية والنفسية لكل منهما، وذلك للتحقق من خلوهما من الأمراض التي تؤثر على حياتهما أو صحتهما أو صحة نسلهما، ولم يغفل سن الزواج فاختص في المادة السابعة الزواج بعد سن الأربعين؛ حيث حتمية خضوع المرأة لاختبار سرطان الثدي وتحليل الغدة الليمفاوية؛ وهي خطوة يتم تفعيلها في الغرب منذ سنوات طويلة وجاء دورها في مصر الجديدة.
نرفع القبعة للمشروع كعامل داعم لكشف الأمراض العضوية والنفسية وكحجر أساس يكفل نسلًا بلا أمراض وراثية، وكخطوة عقلانية لتقليل معدل الطلاق والخُلع والعنف الأسري،لكن السؤال هل المشروع وحده ضامن لحل جميع المشاكل الأسرية؟ أظن أنها منظومة لابد من تكاتف أطراف عديدة من أجل العمل على نجاحها؛ أولها الخطاب الديني وإحياء سنة نبينا الكريم "صلى الله عليه وسلم" في معاملته لأزواجه، وتعريف المقبلات على الزواج بدور المرأة والزوجة الحق في تنشئة أسرة وأطفال، وبجانب الشق الديني فإن المدرسة بموادها الدراسية تسهم كثيرا في خروج أجيال سوية، ونضيف عليهما دور الإعلام؛ والذي يجب أن يتغير خطابه خاصة في محتوى المرأة؛ من خطاب تناحري تحريضي إلى خطاب هادئ عقلاني تبصيري يساعد على استدامة الحياة ويعرف مسئولية كلا الطرفين، فالحياة الزوجية لا تقوم على القانون وحده إنما بالمسئولية.