"بروفة" الحرب الروسية - الأوكرانية، هل يجوز أن تستنسخها اليابان لتحرير أراضيها الشمالية، التي تحتلها روسيا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية؟ وهل يحق للصين استنساخها لاستعادة تايوان؟
ما هي الدروس التي ستستفيد منها الصين في تعاطيها مع الملف التايواني المزمن، نظريا وعمليا، في ضوء النتائج المترتبة على الحرب الروسية - الأوكرانية؟ وكيف أثرت الحرب على آمال اليابانيين وطموحاتهم في بسط سيادتهم على جزر الكوريل؟
ما هي أوجه الاختلاف بين العقليتين الآسيوية والغربية في إدارة الحروب والدفاع عن المصالح العليا للأوطان؟ وكيف تقاس أفعالهما على أرض الواقع، من التهور باستخدام القصف الذري، إلى التحلي بالحكمة، والصبر على "جار السوء"؟
أسئلة كثيرة فرضتها الأزمة الأوكرانية الرهيبة، وقد تناولها كثيرون من حيث الأبعاد والتبعات على كل الأصعدة والمستويات، وكونها تمثل نقطة فارقة في النظام الدولي، إلا أنني سأحاول الإجابة عن التساؤلات المتعلقة بجزر الـ كوريل وتايوان.
في نهاية الحرب العالمية الثانية، ومنذ استيلاء القوات السوفيتية على سلسلة جزر الـكوريل، المرتبطة جغرافيا بأراضي اليابان الشمالية في المحيط الهادي، لا تتوقف طوكيو عن مطالبة روسيا بإعادة الجزر، وتسبب النزاع في منع التوقيع على معاهدة سلام رسمية بين الطرفين.
في أوائل شهر ديسمبر الماضي، ذكرت قناة زفيزدا -التابعة لوزارة الدفاع الروسية- أن موسكو استخدمت سفن إنزال كبيرة لنقل المعدات والأفراد إلى جزيرة ماتوا، في محاولة من جانبها لتعزيز بنيتها التحتية العسكرية في سلسلة الجزر المتنازع عليها.
جرت العديد من الممارسات الاستفزازية الروسية المماثلة بالجزر، طوال العقود الماضية، وقد تعاملت معها الحكومات اليابانية المتعاقبة بضبط النفس، وسعت إلى إحراز تقدم من خلال الأنشطة الاقتصادية المشتركة مع روسيا، في داخل وحول الجزر، على أمل التوصل إلى تسوية سلمية منصفة، والتوقيع على معاهدة سلام.
بعد الحرب الروسية - الأوكرانية، انضمت اليابان إلى قائمة الدول التي شجبت بشدة موسكو، وانضمت إلى الدول السبع الكبرى بفرض عقوبات اقتصادية ومالية واسعة ضدها، وصلت إلى حد تجميد أصول بنوك ومواطنين وكيانات روسية، وفرض رقابة على الصادرات والواردات، وتعليق إصدار تأشيرات الدخول.
فور فرض هذه العقوبات، بات من المرجح تعقيد مسار تسوية النزاع سلميا حول الجزر، وقال رئيس مجلس الوزراء الياباني، كيشيدا فوميئو: "من المهم أن نظهر بوضوح أن التكاليف ستكون باهظة بالنسبة للأعمال التي تنتهك القانون الدولي، وفي الوقت الحالي، نحتاج إلى الامتناع عن الحديث عن قضية الجزر"، مشيرًا إلى أن اليابان ليس لديها خيار سوى إرجاء هذه القضية في الوقت الحالي.
في الوقت نفسه، استبعد كيشيدا خيار اليابان باستخدام أو امتلاك أسلحة نووية، قائلا: "نتمسك بالمبادئ الثلاثة غير النووية، المتمثلة في عدم امتلاك أو إنتاج أسلحة نووية، وعدم السماح بوجودها في الأراضي اليابانية، كسياسة وطنية".
وكانت الحكومة اليابانية قد ناقشت إمكانية النظر في مراجعة إستراتيجيتها الدفاعية الوطنية لتشتمل على جميع الخيارات، بما في ذلك القدرة على ضرب قواعد أجنبية.
بالنسبة للوضع بين ضفتي مضيق تايوان، فقد تناولته تفصيلا في عدد من المقالات المنشورة في "بوابة الأهرام"، خلال شهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين، ونوهت إلى أن تاريخ عودة الجزيرة الصينية لأحضان الوطن الأم، سلميا، هو مسالة وقت.
وفي ضوء تطورات الحرب الأخيرة، وللتأكد من صحة استنتاجي طرحت سؤالا، تردد في الميديا، على السفير علي الحفني، سفير مصر الأسبق في بكين: هل يتكرر سيناريو الحرب الروسية - الأوكرانية بلجوء الصين للقوة المسلحة لإعادة تايوان؟
يقول السفير الحفني: "المعطيات مختلفة بشكل كبير بين الوضعين، حتى وإن كانت هناك سمات مشتركة، ولا أعتقد أن الصين قد تلجأ للتدخل العسكري في تايوان فالعقلية الصينية مختلفة".
أضاف: "الصين لا تتعجل، وليس هناك عامل ضغط زمني، وتعمل على التطبيع المتدرج، والعمل من داخل المجتمع التايواني، وزيادة شبكة المصالح المشتركة والمتبادلة بين الجانبين، مع العمل على زيادة قدرات الصين العسكرية، لردع أي دور عسكري لحلفاء تايوان، إذا ما قررت –يوما- إعادة الإقليم بالقوة".
يختتم السفير الحفني قائلا: "رأيي المتواضع، صبر جميل، هذه هي عقيدة الصينيين، خاصة، إذا ما تعرضت الولايات المتحدة للضعف، وتراجع دور حلف الأطلنطي، وتفكك الاتحاد الأوروبي، حينذاك، الأمر سيختلف".
مع ترجيح الخيار السلمي واستبعاد استخدام القوة المسلحة في إعادة تايوان للوطن الأم، ما هي الدروس المستفادة والخبرات التي ستجنيها الصين من الحرب الأخيرة بين موسكو وكييف؟
يقول الدكتور محمد فايز فرحات، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية: الصين سوف تستغل الأزمة لتوصيل رسائل واضحة للولايات المتحدة، وحلفائها وللنخبة الحاكمة في تايوان، بأنه عندما يتعلق الأمر بقضايا الأمن القومي فإن حسابات الدول لا تتسم بالمرونة، ولا تخضع للمقايضات أو المساومات.
ويشير إلى أن ما يصدق على الحسابات الروسية في قضية توسع "الناتو" في اتجاه الحدود الروسية، والحسابات غير الدقيقة للنخبة الحاكمة في أوكرانيا، يصدق –أيضاً- على قضية تايوان باعتبارها قضية أمن قومي بالنسبة للصين، وأن الحسابات الصينية لا يمكن أن تخضع -هي الأخرى- لأية مساومات أو مقايضات.
ومن ثم، لا يمكن استبعاد استخدام الصين القوة العسكرية، في حالة إقدام النخبة الحاكمة في تايوان على إعلان الاستقلال من جانب واحد أو بدعم من أمريكا.
يختتم الدكتور فرحات، قائلا: "إذا كان بمقدور الاقتصاد الروسي -الأقل بكثير من حجم الاقتصاد الصيني- تحمل التكاليف الاقتصادية المتوقعة لقرار استخدام القوة العسكرية ضد أوكرانيا، فإن الصين بإمكانها أيضاً تحمل مثل هذه التكاليف، في حالة اضطرارها إلى استخدام القوة العسكرية ضد تايوان لإجبارها على الالتزام بالسيادة الصينية والأمن القومي الصيني".
[email protected]