Close ad

د. خالد قنديل يكتب: الحرف اليدوية .. خصوصية الهُوية ودعم الاقتصاد بالجمهورية الجديدة

28-2-2022 | 10:53

لم يعد خافيا على أي متابع للشأن المصري في ظل التوجه بعزيمة وإصرار نحو الجمهورية الجديدة التي بدا كثير من ملامحها في الأفق، هذا المسعى الدؤوب لإعلاء قيمة الهُوية المصرية التي تعددت مصادرها لبلد تمثل أقدم وأعرق الحضارات في العالم، والتي استطاعت عبر الحقب التاريخية الممتدة أن تؤثر ولا تتأثر بالمشارب الأخرى، بالرغم من معاناة الاحتلال المختلفة على مر العصور، فكانت اللغة والمأكل والمشرب وممارسة الحياة، كلها عوامل ذات خصوصية وبصمة مصرية أصيلة تشعبت إلى العالم كله، وظلت راسخة تثمر من واقع هذا الامتداد أشجارًا وارفة على جنبات طريق التحضر وسباق العالمية الذي يعتمد في الأساس على الانطلاق من أصالة الجذور والتراث.
 
وفي هذا السياق احتلت الحرف اليدوية والصناعات التقليدية مساحة كبيرة من التراث المصرى، أبرز فيها الصانع والحرفي المصري مهاراته الفردية والذهنية واليدوية، باستخدام خامات بدائية بسيطة متوفرة في البيئة المحلية أو خامات أولية مستوردة، لينتج مكونات مصرية أصيلة من أزياء وأثاث ومفروشات وأدوات منزلية وجميع احتياجات الحياة اليومية، إذ كانت بمثابة الصناعة الوطنية الثقيلة في مصر، وكانت تشكل القوة الإنتاجية الثانية بعد الزراعة، وإنتاجها يلبي احتياجات أهل البلاد من الملبس والمعمار وفنون الزخارف الحجرية والخشبية والخزفية والزجاجية، ومن أعمال التطعيم بالعظام والمشغولات النحاسية والفضية والمنسوجات الحريرية والصوفية وأشغال التطريز والخيامية، وعشرات الحرف الأخرى، فالحرف والصناعات اليدوية فضلا عن أنها تعكس جوانب الهوية الوطنية للدولة، وتسهم في الوقوف باتزان وتحدٍ بين الأمم المتقدمة في عصر العولمة، وتشكل ميزة تنافسية عبر الإبداع الشعبي، فإن بإمكانها كمجال له خصوصيته الكبيرة أن تحقق للدولة مكاسب مادية ملحوظة، من واقع أن حجم التجارة العالمية للحرف اليدوية والتقليدية يفوق ‏100‏ مليار دولار.
 
وقد اهتمت القيادة السياسية وأجهزة الدولة اهتمامًا ملحوظًا بالحرف اليدوية تقديرًا وإدراكًا لهذه الأهمية التاريخية وللبعد الاقتصادي في مجال يتميز بخصوصة الهُوية والقدرة على الإضافة والإبداع والتشكيل المستمر مع وتيرة التطور التكنولوجي والاستفادة من معطيات العصر في دعم مسار الحرف وتطويرها وإيجاد مساحة وفرصة لها، لأنها في حد ذاتها توفر فرصًا اقتصادية إذا وجدت المُناخ المناسب الذي يحقق استقرارًا في الإنتاج وصولًا لعوائد من التصدير.
 
فمن مميزات الحرف والصناعات اليدوية، إمكانية إيجاد فرص عمل أكبر عن طريق تخصيص موارد أقل مقارنة بمتطلبات الصناعات الأخرى وقابليتها لاستيعاب وتشغيل أعداد كبيرة من القوى العاملة بمؤهلات تعليمية منخفضة، والاستفادة من الخامات المحلية وخصوصًا المتوافرة بكميات اقتصادية، وانخفاض التكاليف اللازمة للتدريب، لاعتمادها أساسًا على أسلوب التدريب أثناء العمل فضلًا عن استخدامها للتقنيات غير المعقدة، كما تستطيع المرأة كأم وربة بيت ممارسة الحرفة في الأوقات التي تناسبها، وفي الأماكن التي تختارها أو حتى في منزلها، ووجود المرونة في الانتشار بمختلف محافظات ومناطق الجمهورية التي يتوافر بها خامات أولية بما يؤدي إلى تحقيق التنمية المتوازنة بين الريف والحضر.
 
وقد كان لافتا هذا العنوان الملهم لمعرض وزارة التضامن "ديارنا" للحرف اليدوية في دورته الثانية والسبعين، الذي أُقيم تحت شعار "مصر بتتكلم حرفي"، تأكيدًا على رؤية الدولة تجاه هذا المجال الحيوي وقيمته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية،  وإيمانًا برسالة هذا التوجه في تحفيز المشروعات الجماعية ودعم الوحدات الإنتاجية، وفتح أسواق لها لتسويق منتجاتها داخل مصر وخارجها، انطلاقًا من أن الحرف اليدوية هي كلمة السر التى ستفتح باب الازدهار الاقتصادي بالتوازي مع المجالات الأخرى، بأيادٍ مصرية بسيطة، لم تكن تحتاج سوى الدعم والتشجيع الذي كان غائبًا منذ عقود، لكنها عثرت عليه في ظل هذا التطلع الأكيد نحو ارتياد المستقبل في أبهى صوره.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة