قبل الحرب الروسية الأوكرانية، اندلعت موجة من الجدل الإعلامي والمجتمعي، والمحلي بامتياز، بدأت بتطاول يشكك في ثوابت الدين الإسلامي وأحد ركائزه؛ وهو رحلة "الإسراء والمعراج"، ثم تحولت إلى جدل عام ساهم الجميع في تحويله إلى إعصار أثار اهتمام مؤسسات الدولة ورجل الشارع، في وقت واحد، واستهلك وقتًا واستنزف من الاهتمام الشخصي والمجتمعي والمؤسسي الكثير، ولولا الحرب الروسية الأوكرانية لتطاير الإعصار ليشوش على المفاهيم والقيم، وليدنس المزيد من عقول النشء والشباب.
ما حدث من تكرار التطاول على الدين الإسلامي تحديدًا، لا يحتاج إلى إثبات أو نفي أو تأكيد، فقط لا علاج له سوى التجاهل، وعدم الرد، لأن الرد على التشكيك والتحذير منه إشاعة له وترويج لغرضه، وهناك قول مأثور: (أميتوا الباطل بالسكوت عنه)، كما فعل الصحابة رضوان الله عليهم.
والتمسك بأخلاق الإسلام ضرورة، وعدم الالتفات إلى المغرضين، تطبيقًا لقول الله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) سورة الفرقان، الآية 63.
وإذا كان البعض يتخذ كلام الله سبحانه، دليلًا كما جاء في قوله تعالى في سورة الكهف، الآية 29: ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، واتخذها دليلًا على الحرية في التعبير، وهي إرادة ربانية في الاختلاف وسنة الله في خلقه، إلا أن هذه الإرادة لها ضوابطها وأخلاقياتها..
نعم، لدينا اليقين بأن الله ناصر لدينه، والدليل قوله عز وجل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) سورة الحجر، الآية: 9، فضلًا عن القدوة التي نستمدها من رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، فلم يثبت أنه سب أحدًا أو رد الإساءة بمثلها، برغم ما تعرض له من السخرية والاستهزاء والأذى من كفار قريش، وتجار الدين ما بعد قريش، بل صبر حتى نصره الله عز وجل.
ولن نروج مجددًا لما حدث من تضليل وسخرية للإسلام، فقد حدث في الماضي، منذ 4 عقود لمؤلف مسلم مرتد يدعى سلمان رشدي، وكذلك حالات الإساءة لكتاب الله وحرق أوراقه في مدن أوروبية، كما لم يتوقف الاعتداء على المسلمين ولا على المساجد، وكذلك عرض الأفلام والصور والرسوم المسيئة للرسول «صلى الله عليه وسلم»، بين حين وآخر، وما زال الاستخفاف بالصحابة والخلفاء الراشدين والرموز الدينية مستمرًا وسيظل بدعوى حرية التعبير وأغراض أخرى، ولكن نستخلص مما حدث العبر والدروس، حتى نبطل مثل هذه السخرية والأكاذيب، ونوفر الوقت والجهد في الرد عليها فيما هو مفيد، فلم ولن يسلم هذا الدين القيم من الأباطيل والفتن، وهو الصراع الذي يفتن الله به عباده ليميز الخبيث من الطيب.
من الدروس المستفادة، أن بنيتنا القانونية والتشريعية تفتقد إلى ردع وتجريم من يسيء إلى العقائد الدينية والقيم الربانية؛ وخاصة بعد تزايد حالات الانفلات القيمي والديني، فنحن في حاجة إلى تصحيح هذا الخلل ورتق هذه الفجوة، وهذا دور أصيل لمجلس النواب لكي يهتم ويحافظ على المقدسات والقيم الدينية، ويردع من يسخر منها، كما يفعل في أمور أخرى مثل الرياضة والفنون، والمدهش أنه بالرغم من تفردنا، إقليميا وعالميا، بكثافة عدد الأجهزة الرقابية والمحاسبية والحوكمة، إلا أن من يحاسَب قليل، ولا يتناسب مع ما يحدث من تجاوزات وانحرافات المغرضين والباحثين عن الثراء المادي أو المعنوي.
أيضًا من بين تلك الدروس، إعادة ترتيب الأولويات، فمن المثير أن هناك اهتمامًا بالشأن الرياضي والفني أكثر منه بالشأن الديني والقيمي والأخلاقي، فقد حدثت الكثير من المواقف والمشاهد والأحداث الرياضية والفنية، اهتم بها الإعلام وشغلت ساحات المحاكم على حساب اهتمامنا بما هو أكثر أهمية، وهو القيم الوجدانية والروحية؛ بل تحدث المحاسبة والجزاء فقط لمن يتجاوز في حق نادٍ رياضي، ولا تتم المحاسبة، أو حتى المساءلة، لمن يتطاول على الأزهر الشريف أو العقيدة الإسلامية.
منها أيضًا، أننا لابد أن ننتبه إلى السياق العام أو البيئة المحيطة بالمجتمع والتي تحقق وتوفر التربة والأرضية المناسبة للانحرافات الفكرية والعقائدية والسلوكية، ومن هذا المنطلق نجد أن هناك إسرافًا فيما يقدم من مواد إعلامية فضائية وتليفزيونية وعبر الشاشات الشخصية، من برامج ومسلسلات وألعاب مخلة وعروض وإعلانات مكثفة، تتعارض مع القيم والتقاليد المتوارثة، في مقابل ندرة لما يعرض من مواد وبرامج ومواد أدبية وتربوية، وكلنا يدرك الواقع الذي ينتج عن مثل هذا الخلل متمثلًا في تقديم الزائف قبل الأصيل، والتافه قبل الناصح، والكاذب قبل الصادق الأمين.. إذا تبقى مكان أو وقت للأصيل أو الناصح أو الأمين..
لقد حققنا الكثير من الإنجاز الملحوظ في مجال الحفاظ على البيئة والنظام الإيكولوجي والتنوع والتحديات المناخية، فهل نفعل مع توفير البيئة الصحية للسلوكيات المنضبطة، ونسهم في تنقية السياق المجتمعي والحفاظ عليه من موجات التلوث القيمي..
[email protected]