قبل أن يستقر نهر النيل عند مجراه الحالي في المنطقة ما بين مصر القديمة وروض الفرج، انحسر مجراه لأكثر من مرة متجها غربا خلال القرنين السادس والسابع الهجري، إلى أن استقر على النحو الحالي، فظهرت مناطق جديدة منها جاردن سيتي وقصر العيني والمنيرة وميدان التحرير وباب اللوق والتي كانت تعرف بأرض اللوق.
ويرجع تسميتها باللوق لأنها كانت أرض لينة أو كما وصفت "تلاق لوقا" فكانت تبذر فيها البذور ويضغط عليها بألواح خشبية حتى تغوص داخل الأرض فينمو النبات دون ري.
استخدمت أرض اللوق كميدان أنشأه السلطان نجم الدين أيوب ليمارس هو وفرسانه لعبة "الأكرة" وهي مزيج من الفروسية والجولف؛ حيث يلعبها الفرسان من على ظهر الخيل، وكان لهذا الميدان سور وباب لدخوله ومن هنا جاء اسم باب اللوق. إلى أن ألغى الظاهر بيبرس الميدان وأنشأ آخر مكان التحرير وجاردن سيتي حاليا.
قد يندهش البعض من أن أول البيوت التي أنشئت في باب اللوق كانت لسكن التتار وأسرهم، من المعروف أن التتار لم يدخلوا مصر غزاة ومحاربين، ولكن حاربهم سيف الدين قطز وانتصر عليهم في عين جالوت بعد أن استولوا على العراق وقتلوا الخليفة العباسي المستنصر بالله وقضوا على الدولة العباسية ثم استولوا على دمشق فكانت هذه أول هزيمة لهم.
لكن التتار جاءوا إلى مصر وسكنوا فيها وهم مسالمون ومسلمون، فقد بعث الظاهر بيبرس اثنين من الأمراء ومعه مجموعة من العرب ليعرفوا أخبار هولاكوا في الشام فوجدوا بها مجموعة من التتار يطلبون الأمان من سلطان مصر وقد عزموا المجيء إليها، وهم من أنصار "بركة خان" ابن عم "هولاكو" وزعيم القبيلة الذهبية المغولية الذي اعتنق الإسلام وامتدت بلاده من تركستان شرقا حتى شمال البحر الأسود غربا، فتحالف معه بيبرس ضد هولاكو، بل أمر بالدعاء له على منابر مصر وتزوج من ابنته.
لذلك أرسل بيبرس المساعدات لهم بالشام، وأمر ببناء بيوت في أرض اللوق بمصر لاستقبالهم فيها، فوصل إلى القاهرة حوالي ألف فارس من التتار مع عائلاتهم وخرج بيبرس بنفسه لاستقبالهم، كما خرج عدد كبير من أهالي القاهرة لمشاهدتهم.
وسكن التتار في البيوت التي بنيت لهم خصيصا، بل أنعم عليهم السلطان بيبرس بالخيول والأموال، ولعب معهم لعبة المماليك الشهيرة "الأكرة"، وزيادة في إكرامهم جعل منهم أمراء فكانوا يعيشون في رغد من العيش ويخدمهم جنود وعساكر، وعندما علم التتار بما فعله السلطان توافد على مصر المزيد منهم؛ حيث بلغ عددهم خلال هذا العام 1300 فارس مع عائلاتهم، فاتسعت المساحة المعمورة في تلك المنطقة.
مع مرور الزمن ازداد العمران في باب اللوق حتى أصبح من الأحياء الأرستقراطية مملوءة بالقصور والفيلات والحدائق، خاصة بعد أن تم تخطيط منطقة الإسماعيلية في عهد الخديو إسماعيل.
تضم منطقة باب اللوق أقدم وأشهر سوق تجارية عرفتها مصر وهي سوق باب اللوق التي تم افتتاحها 1912م.
أسعدني الحظ أن أهدتني دكتورة سهير حواس دراسة شاملة للسوق تاريخيا ومعماريا منذ نشأتها وحتى الآن للدكتور خالد زكى حواس تستحق أن نعرفها.
ترجع فكرة انشاء سوق باب اللوق إلى جوزيف قطاوي باشا مهندس مصري يهودي، أحد أقطاب الرأسمالية الوطنية، شغل منصب وزير المالية ثم المواصلات، وكان عضوا بمجلس النواب.
أسس وأخوه أدولف قطاوي شركة الأسواق المركزية المصرية لإقامة أسواق بوسط القاهرة والمدن الكبرى، كما أدارت تلك الشركة سوق ميدان الجامع عند إنشائها 1949م بمصر الجديدة.
ومما ساعد على إنجاح إقامة السوق بحي باب اللوق انتقال سكانها الأغنياء إلى الزمالك وجاردن سيتي وسكنته الطبقة المتوسطة.
أما السوق فكانت واجهتها الخارجية تضم 50 محلا بمساحات مختلفة، منها محلات بقالة، مطاعم، قهاوي، أجز خانات، حلاقة، تليفون، بنوك مكاتب، وبها مصنع للثلج، وممر للعربات الكارو وسيارات النقل ،ولها خمسة أبواب وبداخلها 150 محلا لأغراض مختلفة جزارة ،خضراوات ،فاكهة، منتجات ألبان وقطاع لبيع الأسماك والطيور .
أهم ما تميزت به السوق توافر وسائل النظافة والتهوية واشتراطات الصحة العامة، والمواعيد المحددة لتسلم البضائع ولفترة النظافة.
كان معظم التجار من اليونانيين والمصريين واليهود والفرنسيين والإنجليز، بينما الباعة من المصريين، أما الزبائن فكانوا من المصريين الميسورين والأجانب من جميع أحياء القاهرة.
بسبب الحرب العالمية الثانية، تم بيع السوق لتاجر لحوم مصري الذي بنى دورا ثانيا، وخلال تلك الفترة كانت السوق في أوج ازدهارها فكانت تلقب “بمعدة العاصمة“. وبعد 1952م بدأت تتدهور لأسباب عديدة منها امتداد عقود الايجار للورثة، وصعوبة تحقيق عائد مجز لمالكي السوق للإنفاق على الصيانة والنظافة الدورية بسبب تخفيض الإيجارات، والامتدادات العشوائية وأخيرا اغلاق محطة باب اللوق.