Close ad

علي محمود يكتب: مصر .. وفاتورة حرب روسيا وأوكرانيا

24-2-2022 | 19:03

إذن هي الحرب، وتلك هي التكلفة الباهظة، التي تتحملها الشعوب، والفاتورة الأكبر التي تدفعها الأجيال.. ما من حرب نشبت ولا صراع مسلح تفجر، إلا وكانت تداعياته الأشد قسوة على حياة الشعوب ربما لعقود، وها هي حرب روسيا وأوكرانيا تدور رحاها بعد فشل المسار التفاوضي بين الغرب بقيادة أمريكا المنحازة لأوكرانيا.. وروسيا التي ترفض هذا الانحياز وتعتبره تهديدًا لأمنها القومي.. 
 
وبعيدًا عن الحسابات الإستراتيجية والأمنية تظل التداعيات الاقتصادية هي الألم الذي يؤرق شعوب العالم التي ما زالت تدفع ثمنًا باهظًا في الأرواح والمال؛ بسبب كورونا، ثم تأتي حرب اليوم لتزيد الألم ألمًا وتطفئ مصابيح الأمل في عالم ما بعد كورونا؛ حيث بدأت الدول تتخلص من القيود الاحترازية لتمارس حياتها الطبيعية، إلا أن الحرب جاءت لتجهض أمالًا وتقتل أحلامًا وتزهق أرواحًا..
 
في هذه الحرب التي تضرب قلب أوروبا، بل العالم نتيجة تشابكاتها الاقتصادية، وتداعياتها المتوقعة، وآثارها المرتقبة ربما نشهد تغييرًا في الجيوسياسية العالمية، إذ إن هناك سيناريوهات تشير إلى أن روسيا تسعى عبرهذه الحرب  إلى إستعادة  أمجاد القوى العظمى  للإتحاد السوفيتي التي فقدت إبان انهيار هذا  الاتحاد ، وإذا تحقق ذلك فإنه يعني تراجع دور ونفوذ أمريكا خصوصًا مع تنامي قوة الصين التي تملك الاقتصاد الأكبر وتدعم موسكو في حربها، وتعود معادلة القطبين في رسم السياسات العالمية، في المقابل فإن هناك سيناريو آخر يقول إن دول الغرب بقيادة الولايات المتحدة لديهم مخطط لتوريط روسيا في هذه الحرب من خلال استدراجها فيها لاستنزافها بالعقوبات الاقتصادية، وكسر شوكتها المتنامية إقليميًا وعالميًا على حساب زيادة نفوذ أمريكا وأوروبا، وإحكام سيطرتهما على العالم اقتصاديًا وسياسيًا.
 
ربما تكون لهذه السيناريوهات وجاهتها، أو واقعيتها أو مآلاتها، لكن تبقى الشعوب هي ضحايا حقائق ما بعد الحرب، وهم من يدفع الفواتير الباهظة في غلاء بدأت شواهده في العالم أجمع، وفي خسائر جسيمة طالت وستطال غالبية الدول، ولعل مسارات هذه الحرب وتداعياتها تشير إلى ارتفاعات كبيرة في الطاقة مدفوعة بزيادة في البترول ربما تصل بسعر البرميل إلى 120 دولارًا مع حلول شهر يوليو، وزيادات غير مسبوقة في الحبوب، ربما تصل إلى أكثر من 10%، وقد سجل القمح والذرة اليوم ارتفاعًا 7% في بورصة شيكاغو، ويقينًا سيترتب على ذلك ارتفاعات سعرية ستطال معظم السلع الغذائية والخدمات في الأسواق العالمية.
 
.. والسؤال ما هي حدود التأثير وحدته؟
 المؤكد أن الدول التي تعتمد على الاستيراد ستكون الأكثر تضررًا، ولو أن دولة لديها اكتفاءً ذاتيًا من القمح مثلًا لن تكون فاتورتها باهظة، كما أن الدول التي تربطها علاقات تجارية كبيرة مع الدولتين المتحاربتين، وكذلك تعتمد على السياحة الروسية الأوكرانية سوف تتأثر أيضًا، لكن في جميع الأحوال هناك موجة من التضخم سوف تجتاح العالم بأسره جراء ارتفاع أسعار البترول، حتى إن الرئيس الأمريكي ألمح إلى حزمة من الإجراءات بصدد اتخاذها للتقليل من التداعيات السلبية المرتقبة.

ولعل مصر شأن دول العالم التي تطالها شظايا التداعيات الاقتصادية للحرب، لكن حدود التأثير وحدته يتوقف على ما يتم اتخاذه من إجراءات في مواجهة هذه التداعيات المتوقعة، وربما مصر سبق وأن مرت بتجارب سابقة أقربها تداعيات جائحة كورونا التي توقفت فيها كل الإمدادات السلعية، إلا أن الاقتصاد المصري وما يمتلكه من مكونات قوية، وعناصر محورية استطاع امتصاص صدمة كورونا، وتجاوز تداعياتها؛ بل خرج منها الأعلى نموًا في المنطقة، والأكثر جذبًا للاستثمار بفضل السياسات الاقتصادية التي تم وضعها.. واليوم بدأت الحكومة تحركات عاجلة لمواجهة تداعيات الحرب بين روسيا وأوكرانيا إذ هناك خطة واضحة لتعويض احتمال تأخر شحنات القمح بسبب الحرب من خلال الاعتماد على المخزون الإستراتيجي الذي يكفي نحو 4 أشهر واستلام محصول القمح من المزارعين في الموسم الجديد الذي يحل بعد شهرين، أما الخيار الثالث فيتم من خلال استكمال احتياجات مصر من أسواق بديلة. 
 
في المقابل فإن مصر ربما تكون أمامها فرصة لزيادة صادرات الغاز في ضوء ارتفاع الطلب المتوقع عليه، لكن في جميع الأحوال فإن الصورة المكتملة للخريطة الاقتصادية ومساراتها لن تتضح إلا بعد معرفة نهاية هذه الحرب، التي ربما تعيد تعريف، بل وتعديل خريطة العالم.

حفظ الله مصر من كل سوء 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة