راديو الاهرام

مهدي مصطفى يكتب: أوكرانيا .. الانتظار لجولة آتية

23-2-2022 | 11:04
الأهرام العربي نقلاً عن

أوكرانيا آخر قصة من قصص الحرب الباردة، يعتقد المنتصر الغربى أنه لم يكسب تلك الحرب، مادام حلف الناتو، مواليد 1949، لم يرث بعد كل ما كان يشكل الاتحاد السوفيتى.

حلف وارسو المواجه لحلف الناتو تلاشى، بينما بقي الناتو يغرد وحيدًا، توسع، توغل، ورث جمهوريات السوفييت، اقترب من تخوم روسيا.

روسيا المصابة بجراح التفكيك السوفيتى تسعينيات القرن الماضى، دعت أمريكا المنتصرة والغرب المنتصر الوحيد، ألا يتخذوا من دول الكتلة الشرقية أعضاء في حلف الناتو، كان هذا منذ ثلاثين عامًا، لكن الدعوة الروسية ذهبت أدراج الرياح، كانت ترى الحلف يتوسع، يضم، ويمارس نشاطات هجومية، بينما هو فى الأساس كان دفاعيا، يصد العدوان عن دول أعضائه ضد أى هجوم، ولا يمارس الهيمنة.

الواقع أن الناتو تحول إلى مؤسسة دولية متكاملة، من الاقتصاد إلى الثقافة، إلى تصفية دول، وإقامة أخرى، وتغلغل بين المتظاهرين فى الثورات الملونة، الخشنة والناعمة، وصل إلى حد بث خطابات إعلامية، وتعبيرات يلهج بها المحللون حول العالم.

روسيا كانت ترى تخومها القريبة تشتعل، بثورات برتقالية، وثورات ورود، ونصب صواريخ عابرة، وتغيير أنماط اقتصادية واجتماعية، وتمكين كارهيها من أنظمة القيادة، كان لسان حالها يقول ليس هذا ما اتفقنا عليه، لكنها تحت لحظة التفكيك العظمى، والضعف السياسى، وهجرة العقول الكبيرة إلى الغرب وإسرائيل، وقد حازت الأخيرة وحدها نصيب الأسد، فقد هاجر أكثر من مليون روسى إلى إسرائيل فى أوائل التسعينيات، تقريبًا هم الذين جعلوا من إسرائيل يشتد عودها بعد هزيمتها فى حرب أكتوبر عام 1973،  تلك الحرب التى غيرت من مسارح الحروب العالمية إلى الأبد.  

أوكرانيا، غنية، وكانت مدينة المدن السوفيتية، ولا تزال كذلك،  والذى يحوز عليها يصبح قوة اقتصادية عظمى، روسيا تعرف هذا جيدًا، ويعرف حلف الناتو كذلك.

الرئيس  الروسى فلاديمير بوتين، يتساءل بسخرية أثناء اجتماع مع أركان حكومته، ما الذى يجعل أمريكا والغرب يقطع كل هذه المسافة الطويلة المقدرة بآلاف الأميال ليأتوا إلى هنا، ضاربًا المثل بأفغانستان، والعراق، وليبيا، وسوريا، ويوغوسلافيا.

بوتين يقول الآن وليس غدًا، الآن على الغرب أن يقول إن أوكرانيا لن تنضم إلى حلف الناتو، لتنتهى القصة بسلام، فالغد بالنسبة له غير مضمون، ولا يعرف ساعتها ما الذى سيحدث، فى رسالة تهديد تؤكد أنه مع انتهاء الأزمة الحالية لا يعنى أن الأمر انتهى بسلام، بل هو يؤكد مستندًا إلى آراء أعضاء مجلس الدوما بكل تياراتهم أنه سوف يواصل رفضه لوصول الناتو إلى جواره، وأن هذا الرفض هو رفض شعبي عميق.

الجولة الحالية يتراجع فيها كل طرف على رقعة الشطرنج خطوة واحدة، فالصدام ليس فى صالح أحد، ولا فى صالح أوكرانيا نفسها، ولا فى صالح أمريكا، فلا يمكن أن يضمن أحد تحول الصدام إلى حرب عالمية بأسلحتها غير المسبوقة، فمعنى ذلك فناء الكرة الأرضية، وساعتها لن يوجد من يتذكر جورج سوروس، ولا جين شارب، ولا نشطاء البرتقال والورود، بل إنه إذا بقى كائن حى على وجه الأرض سيكتب نشيدًا أسود، يلعن فيه ألوان قوس قزح، وكل شارب وكل سوروس.

كلمات البحث