لو انتصرت روسيا، لا يمكن أن تواجه أوكرانيا نفس مصير سوريا، وذلك لاختلاف عوامل النزاع بصورة تامة، ولن تسعى روسيا لتدميرها وتسويتها بالأرض كما هو الحال في سوريا، وإنما قد تحولها إلى دولة فاشلة يسهل السيطرة عليها، ويليها تنصيب حكومة موالية لها في كييف العاصمة، وتعود أوكرانيا مرة أخرى إلى الحظيرة الروسية قبل تفكك الاتحاد السوفيتي، وتقسيم البلاد يمثل السيناريو الأخير لوضع أوكرانيا في حالة انتصار روسيا.
والقائل بفرضية أن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول منع تكرار تدخل روسيا في سوريا، يُعد تحليلًا غير مطابق للحقيقة، والسبب عدم رغبة أمريكا في استخدام الآلة العسكرية في سوريا خلال حكم الرئيس أوباما، وغضت طرفها متعمدة عن استخدام موسكو لآلة القتل في سوريا، وروسيا لم تدخل بقواتها على الأرض في سوريا سوى تمركز بعض وحدات جيشها في قواعدها العسكرية، وركزت على هجماتها الجوية والصاروخية.
والأسلوب الأقرب في الغزو الروسي لأوكرانيا تدمير قدراتها العسكرية، ويتضمن هذا الأسلوب كذلك قتل الروح المعنوية للقوات الأوكرانية مع خلق مناخ سياسي مضطرب، وسيطرة الأنظمة السيبرانية الروسية على المنشآت الروسية.
أما نتائج استمرار التصعيد بين القوتين العظميين يشعل ارتفاع أسعار النفط على مستوى العالم، ويؤدي إلى تعرض الأمن الغذائي العالمي للخطر، وتعتبر أوكرانيا خامس أكبر مصدر للقمح في العالم، وتشمل قائمة زبائنها الصين والاتحاد الأوروبي والعديد من الدول الإفريقية والآسيوية.
وبمعنى آخر أن المناطق الأخرى من العالم ليست بمنأى عن الآثار الكارثية من الهجوم الروسي المحتمل لأوكرانيا، وسوف تتضاعف الخسائر خاصة على دول منطقة الشرق الأوسط، التي تعاني من الحروب وأزمات اقتصادية أخرى، غير ما تشهده المنطقة من التوغل الروسي.
ومن ناحية أخرى لا يريد الاتحاد الأوروبي الهجوم على روسيا أو الاعتداء عليها، بل بالعكس تتمنى أوروبا بناء علاقات جيدة مع موسكو على كل المستويات، ولكن روسيا تحاول فرض بنية أمنية أوروبية على عكس ما تم التوافق عليه بين روسيا وأوروبا، وهذا ما صرح به المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي.
ويكشف كل المحللين الغربيين عن نواياهم في استبعاد الحل العسكري، وأن الاتحاد الأوروبي يفضل الحل من خلال الحوار والمفاوضات، وما يقوم به الرئيس الفرنسي ماكرون من محادثات مع بوتين يعكس تلك الرغبة.
والدرس المستفاد من الأزمة الأوكرانية أن الدول العظمى لن تتورط في حرب مباشرة، وأن مايحدث سوى مناورات شبه عسكرية ودبلوماسية واقتصادية، واستمرار لسلسلة الحروب الباردة، وفي النهاية يكون النصر لمن يفرض سطوته الاقتصادية والسيبرانية والمخابراتية.
[email protected]