راديو الاهرام

د. خالد قنديل يكتب: الكد والسعاية.. المسافة بين التراث والواقع

21-2-2022 | 07:32

لم يعد خافيًا على أحد فوق هذه الأرض تلك الحقيقة التي تؤكد ضرورة التشارك القويم بين الرجل والمرأة في بناء المجتمعات وإعمار الأرض، حيث التكامل البناء من خلال أدوار رئيسية في الحياة، ولا جدال في أن المرأة استطاعت أن تثبت ذاتها بعد أن اقتحمت سوق العمل في مختلف مجالات الحياة، حتى صارت جزءًا لا يتجزأ من عجلة العمل الدائرة، فكفلت لها الأديان والقوانين حقوقًا إنسانية تضمن لها السلامة والطمأنينة على واقعها ومستقبلها حتى تستطيع أن تستكمل أدوارها المنوطة بها.
 
وكان فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، قد دعا الأسبوع الماضي إلى ضرورة إحياء فتوى "حق الكد والسعاية" كحق موجود في تراثنا الإسلامي، وذلك لحفظ حقوق المرأة العاملة التي بذلت جهدًا في تنمية ثروة زوجها، خصوصًا في ظل المستجدات العصرية التي أوجبت على المرأة النزول إلى سوق العمل ومشاركة زوجها أعباء الحياة، ورغم أن هذه الدعوة لاقت جدلًا بين الأوساط المختلفة، فإنها بحاجة إلى أن يكون هذا الجدل مثمرًا وخلاقًا في تشريع قوانين تستفيد من المعالجات التي قدمها التراث الإسلامي لقضايا شتى، تدفعنا إلى تأمل غزارة وعمق هذا التراث، وحرص الأديان على صون حقوق المرأة وكفالة كل ما من شأنه حفظ كرامتها، إذ تمثل ضمانًا وحماية مادية واقتصادية واجتماعية للمرأة، كما تمثل دعمًا لها في كل أحوال الأزمات المتمثلة في وفاة الزوج أو الانفصال، بدلًا من أن تعاني السيدة في حالة موت الزوج أو الانفصال عنه.
 
وإذا تابعنا الحياة الزوجية القويمة سنجد أنها لا تبنى فقط على الحقوق والواجبات ولكن البناء الرئيسي في هذه الحياة قائم على لبنات الود والمحبة وما نراه من مواقف يساند فيها الزوج زوجته، كما تكون الزوجة بطبيعة الحال سندًا لزوجها في المواقف الصعبة التي تواجهها الأسرة سواء لتجاوز الصعاب، أو حتى المشاركة في الحلم لتأسيس مستقبل آمن عبر بناء أسرة صالحة وقادرة على البناء والإسهام في رقي وتقدم مجتمعها، وتربية أجيال قادرة على البذل والعطاء.
 
وبنظرة إيجابية مرنة إلى هذه الفتوى ندرك أنها تؤكد احترام الشريعة الإسلامية للمرأة، كما تبرز أهمية دور الأزهر في التنوير وتجديد الخطاب الديني، الذي يتناسب مع روح الدين ومجريات العصر معًا، إذ إن الواقع المعيش يشهد الكثير من التطورات التي تطرأ على الإنسان وعلى المرأة التي أصبحت شريكة في جميع الأعمال المهمة، وليس منطقيًا وفق كل هذا أن تعمل المرأة وتشارك بجهدها وبمالها مع زوجها، وعند وفاة الزوج تحصل على الثمن فقط من الميراث، فهل تفعيل هذا الحق (الكد والسعاية) ينطبق على الزوجة العاملة أو التي يجبرها زوجها على ترك العمل، ولا ينطبق على الزوجة التي نسميها (ست البيت)، وهل لو حدث واختلط المال على الأوراق الرسمية وأصبح باسم الزوج، فمن حق الزوجة حق الكد والسعاية، وهل يشمل هذا الحق كل من ساهم في تنمية مال الغير كالابن الذي يعمل مع والده، وساهم في توسيع أعماله وثروته في وقت تلقى فيه باقي الأبناء تعليمهم، فكيف لهذا الحق الذي يقوم على فكرة تحقيق العدل، أن تتم بلورته ليؤدي أهدافه المتسقة مع مجريات واقعنا؟

ويؤكد العلماء أن "قضية حق الكد والسعاية، رؤية شرعية مهمة، بدأت في عهد عمر بن الخطاب، استنادًا إلى حجج واستنباط فكري عميق، يحق للمرأة بموجبه إذا كانت قد تشاركت مع الزوج في تكوين الأموال، وتوفي عنها الزوج، فإن للمرأة الحق في نصف التركة قبل أن تقسم، مهما كانت نسبة المشاركة، وفي حالة الانفصال أيضًا يكون لها نصف الثروة. 
 
أتصور حتى تتحول فتوى الكد والسعاية إلى أمر واقع، فإن هذه الخطوة تحتاج إلى خطى أصيلة عبر وجود تعديل تشريعي في قانون الأحوال الشخصية، لتحديد الحالات والنسب في الحقوق بوضوح، فقد يسهم تطبيق الفتوى بالصورة الموضوعية المناسبة في بناء أسرة صالحة تُخرج أجيالًا تتمتع بالحب والعطاء.

كلمات البحث
الذكاء الاصطناعي.. عملة واحدة ووجهان

لا شك في أن التكنولوجيا في القرن الحادي والعشرين قد أتاحت للفرد الكثير مما لم يكن يتوقع في أزمانٍ وعقود وحقب سابقة، وقد تطورت التكنولوجيا الرقمية بتواتر

انتهاك المقدسات والحريات الزائفة

يبدو أن الغرب يصر على إرسال رسائله الخبيثة والساذجة في الوقت ذاته، ويسعى إلى الاتجاه بالعالم إلى هاوية لا رجعة منها، ظنًا من هذا الغرب الذي دنسه التخلف

الأكثر قراءة