خبر عاجل في جريدة مهمة يتساءل: كيف حافظت عروس الإسماعيلية على مكياجها بعد أن ضربها العريس وأهله وسحلوها - لقاء خاص مع الكوافيرة!!
- لقاء خاص مع العريس الذي ضرب العروس في منزله، ويبدي تعجبه من أهل البندر الذين لا يعرفون أن ضرب العروس وسحلها حتى يوم فرحها من مجموعة (همج) هم أهل الزوج المنتظر وأهلها، شيء طبيعي وعادي!!
- مذيعة مغمورة تتحدث عن الحادث في قناة عربية، وتشيد بأن العروس المُهانة المقهورة المضرُوبة بوحشية قبل حفل زفافها عاقلة!! وتدعو كل زوجة ضربها زوجها وأهله؛ سواءٌ يوم فرحها أو بعده لأن تقول له: أنت سيدي وتاج رأسي، بل وتقبل ما يحدث معها عادي!
- عشرات الصفحات؛ سواء في الصحف أو في المواقع الإليكترونية، ومثلها الساعات الطويلة في البرامج التليفزيونية التي تفرد مساحات واسعة لتنجيم أي شخص صنع فيديو فج أو مطرب سوقي يقدم تقليعة جديدة، أو عريس تربيته هو وأهله وغياب القانون سمح له بضرب عروسه بوحشية في الشارع قبل الوصول لقاعة زفافها، والأكثر أن يتعامل هذا الهمجي بأنه نجم ونموذج بين الرجال ويطلب من القنوات الفضائية مائة ألف جنية مقابلًا لظهوره، فقنوات صناعة التفاهة "حضرت العفريت"، ويجب أن تدفع ثمن ذلك حتى تتعلم كيف تصرفه!
لقاءات مع الأقارب والجيران والحاضرين لكل حادث يصبح "ترند" بمعنى آخر قضية تافهة تشغل الناس عن كل ما هو مهم، والمهم مثلًا في هذه القضية وغيرها من قضايا العنف الممنهج ضد النساء هو غياب قانون الحق العام الذي يجرم الفعل ويعاقب مرتكبه حتى لو أُرغمت الضحية على التنازل لأسباب اجتماعية أو مادية أو حتى نفسية.
- في حوار قريب مع دكتورة هدى زكريا أستاذ علم الاجتماع السياسي حدثتني فيه عن كتاب آلان ديلون الكاتب الفرنسي الشهير بعنوان "العبث" وترجمته الأقرب هو "صناعة التفاهة"، وكيف أن التفاهة لها نظام يفرضه التافهون أو المروجون لها، فيتم التركيز على الأدنى وليس على الأعلى، فكما قال جمال الدين الأفغاني من قبل:
"أن التسفل أسهل من الترفع"؛ حيث إن الناس لا تحتاج إلى مقومات للتسفل، عكس العلم والترفع فالوصول له صعب ويحتاج للعديد من المقومات.
الصعب في المعركة أن من يتحكم فيها التافهون؛ سواء في المجتمع أو في المهن أو في الإعلام والثقافة، وهنا يكمن الدور المهم جدًا للإعلام في رفع الوعي المجتمعي بدلًا من تلميع التافهون وعرض فقرات تافهة تُرضي ذوق المنحدرين في الوعي وفي الثقافة، وكذلك في رفع الذوق العام؛ سواء في الفنون أو في اختيار الموضوعات أو حتى في استخدام الألفاظ والعبارات الأرقى، وعدم النزول لأي تدنٍ، كذلك احتلال برامج التسالي والنميمة والمسابقات الفارغة والمباريات أحيانًا لكل وقت البث، وعدم الاهتمام مطلقًا بأعمال ترفع الوعي؛ سواء كانت حوارات أو أعمالًا درامية أو غيره.
-المعركة بين من يريدون العلم والمعرفة والرفعة، وبين المحرضين على التفاهة ليست بسيطة بالطبع حتى إننا نجد في مؤسساتنا الأكاديمية، وكل من ينقل المعرفة للأجيال القادمة اليوم لا تقوم بدورها المنوط، خاصة بعد أن أصبح التعليم هو مجرد طلب شهادة أو رخصة لممارسة مهنة معينة، لذلك يسيطر نظام التفاهة على الحرف الحقيقية التي يدفع أصحابها كل وقتهم أو حتى حياتهم لطلب معرفتها وإتقانها، فمقولة (كاد المعلم أن يكون رسولا)؛ لأنه متمكن من مهنته ومن علمه وينقل ذلك بمنتهى الأمانة والضمير للطلبة لا ينتظر أن يعطي لهم دروسًا خصوصية بالمقابل.
منذ سنوات طويلة عبر الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي عن شعوره بالوحدة والحزن والمهانة؛ لأنه كمثقف واعٍ لا يجد نفسه وسط نظام مختلف "وكأني عود درة في غيط كمون" في نفس السياق كان لطلب العلم أغانٍ في الستينيات؛ مثلا أغنية لنفس الشاعر غناها عبدالحليم حافظ كانت تطالب بالعلم الملتزم بحل مشكلات المجتمع يقول فيها:
(إن لم يكون العلم مصباح الغلابة
ان لم يزيح العتمة والخوف والضبابة
فلا فايدة في كتابك ولا سهرك وعذابك)
- لو فكرنا قليلًا سنجد الأغنية تطالب الطبيب مثلًا أن يبحث في علاج مرض متوطن يعاني منه الناس، ولا يصبح طبيب تجميل يبحث فقط عن المال أو الشهرة.. وهكذا في كل المهن.
- المعركة اليوم قوية بين الوعي الحقيقي، وبين الجهل والانزلاق لعالم من التفاهة التي تنحدر بحياتنا أكثر وأكثر، والانتباه وجب إلى أن تسترد مجتمعاتنا قيمة العلم وقيمة المعرفة وقيمة الجدية في الحياة، لعل وعسى أن نعيش ونتعلم ونعمل كما يليق بنا.