Close ad

د. محمد مصطفى الخياط يكتب: غربة عرب

20-2-2022 | 16:04
الأهرام المسائي نقلاً عن

لكل كاتب عملٌ -وأحيانًا أعمال- يُعرفُ به. الأستاذ جمال حمدان وشخصية مصر، توفيق الحكيم وعودة الوعي، نجيب محفوظ وثلاثيته الخالدة، الأستاذ العقاد وعبقرياته، الأستاذ محمد حسنين هيكل وحرب الثلاثين سنة.. ملفات السويس، الدكتور عبد العزيز التويجري وحاطب ليل ضجر، الطيب صالح وموسم الهجرة إلى الشمال، رضوي عاشور وثلاثية غرناطة، أمل دنقل وقصيدة لا تصالح، محمود درويش وسجل أنا عربي.

 أيضًا، لا يُذكر الدكتور يوسف زيدان إلا وذُكرت روايته عزازيل. حول فيها أسرار صندوق اللفائف المدفون بجوار أحد الخرائب إلى سرد روائي لراهب مصري عاصر فترة عصيبة في تاريخ المسيحية، إبان انعقاد مجمع خليقدونية 451 ميلادية. زاد من وطأتها معاناته النفسية جراء وقوعه في الخطيئة، فيعتزل العالم ويدون رقوقه. يخاطبه عزازيل (الشيطان)، (أكتب يا هيبا، أريدك أن تكتب، اكتب كأنك تعترف، أكمل ما كنتَ تحكيه،...."، فيفيض باعترافاته وشكوكه العقائدية دون مواربة. صاغ زيدان الرواية بحس مرهف ولغة أقرب للصوفية استحق عنها الجائزة العالمية للرواية العربية عام 2009.

 على نحو مشابه من حيث الحبكة والسرد التاريخي جاءت روايته (النبطي)، بلسان فتاة مصرية عن فترة ما قبل الفتح الإسلامي لمصر، تنقل فيها بين مواقع مختلفة؛ الأنباط في الأردن (البتراء حاليًا)، ومحافظات الشرقية والصعيد وسيناء في مصر، لنكتشف ذلك الارتباط الوثيق، المتفاعل أبدًا، بين المحروسة وربوع الجزيرة العربية؛ قوافل التجارة، المصاهرة حبًا في بناتها اللواتي اشتهرن بالجمال، تمتع المجتمع المصري -في ذلك الوقت- بحياة مدنية مقابل حياة القبائل الجافة في شبه الجزيرة. التلاقح السياسي والاجتماعي بين البيئتين.

 رحلت مارية مع زوجها إلى مضارب قبيلته، وهناك تعرفت على أخيه الـمُكني بالنبطي وعالم الصحراء الثري بمفرداته الخاصة. تفتح الراوية نافذة كبيرة على ما قام به عمرو بن العاص من تمهيد نفسي وسياسي وعسكري لجنوده وللمدن التي استهدف دخول مصر من خلالها.

 صعب على من يقرأ روايتي يوسف زيدان أن يتصور أنه مؤلف روايات ظل الأفعي، ومحال، وجونتنامو. فيما بقت بحوثه وكتاباته في اللاهوت العربي والصوفية مراجع جديرة بالقراءة. ظلت مساحته الفريدة داخل تخوم الصوفية واللغة الشاعرية المنقوعة في آيات التأمل والإشارة والرمز، المعتقة بالمعاني القريب منها والبعيد، في مزج العلاقة الكونية بكافة مفرداتها من كائنات حية وجمال، منظورة ومستترة، على الأرض وفي البحر وخلف أبواب السماوات، مزجها بذلك الكائن الضئيل، المدعو إنسان، الذائب حيرة في ملكوت الله.

 في مجموعته القصصية غربة عرب الصادرة عام 2017، يعرض زيدان صورًا مختلفة لذلك العربي الباحث عن لقمة العيش؛ تاركًا خلفه قرية صغيرة في أقاصي الريف المصري ليعمل مُدرسًا أو أستاذًا جامعيًا في أحد مدن النفط والغاز، أو سيدة قادمةً من العراق، أو من مدينة تُسبِح صباح مساء بطلقات الرصاص ورائحة البارود في سوريا، أنماط مختلفة من البشر، وأسباب عدة للغربة، ظل فيها طعم العلقم وإحساس الحسرة عاملين مشتركين بين الجميع.

الشعور أنك نبت غريب. التوجس من الآخرين. القلق من الترحيل لمجرد أنهم فهموك خطأ؛ (التفنيش)، تلك الكلمة الصاعقة التي نُحِتت من أصلها الأعجمي، تحولت إلى طلقة رصاص تبحث كل صباح عن رأس غريبة تطلق عليه، أو سيفًا يُهدَدْ به قليلي الحيلة.

 الغربة قطعة من العذاب، أكلت قلب مارية، تطالع شروق الشمس وغروبها من خلف كثبان الرمل فتتذكر أمها، تتنهد وتتمتم، (هذه البلاد ليست بلادي. ولا الذي أراه منذ فجر اليوم، بلادي. كان لي بلد وحيدٌ، أخضرُ، هو حضن أمي).

حفظ الله الوطن. 

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة