هذا وجه آخر من الوجوه اللامعة على المستوى العالمي ذات الأصول المصرية، وعبقرية طبية يشهد لها تاريخ متواصل من البحوث العلمية والإنجازات، إنه الجراح الأمريكي العالمي، من أصول مصرية البروفيسور وليد حسن رئيس لجنة الشبكة الوطنية الشاملة لأمراض السرطان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ورئيس قسم أمراض المسالك البولية في معهد التخصصات الجراحية الدقيقة في مستشفى كليفلاند كلينك، وأستاذ مشارك في كلية ليرنر للطب في كليفلاند كلينك بالولايات المتحدة الأمريكية.
موضوعات مقترحة
يعد د. وليد حسن واحدا من الخبراء الرُّوَّاد في أمراض المسالك البولية في العالم، والذين حصلوا على تدريب دقيق في مجال أورام الجهاز البولي والجراحة قليلة البضع معا، وهي عمليات جراحية معقَّدة تُجْرَى عن طريق الروبوت من خلال فتحات صغيرة في جسم المريض، وإدخال كاميرات دقيقة للغاية إلى المنطقة المراد إجراء الجراحة فيها، وله الكثير من المحاضرات، وترأَّس العديد من اللقاءات العلمية، كما أنه عضو في الجمعية الأمريكية لأمراض المسالك البولية.
وفي حوارنا معه يتحدث البروفيسور وليد حسن عن نشأته، وهجرة والديه من مصر، ومسيرته العلمية والطبية البارزة في أمريكا، ورؤيته لمواجهة أمراض السرطان في المنطقة العربية ومصر.
- بداية نود أن تقدم لنا بعض التفاصيل عن نشأتك ولهجتك المصرية.
كان والدي طبيبا «د. أحمد شوقي حسن» وكذلك والدتي «د. سلمى مروان شعبان»، وقد هاجرا من مصر إلى أمريكا في فترة الستينيات من القرن الماضي، وكانا تقريبا من أوائل المصريين الذين هاجروا من مصر في تلك الفترة، وقد ولدتُ في أمريكا وأحمل الجنسية الأمريكية، وكذلك شهادة ميلاد مصرية، وأنا واحد من الجيل الأول من (المصريين الأمريكيين)، وجدتي كانت تعيش معنا في أمريكا، ولأنها بالطبع لم تكن تتكلم الإنجليزية فقد نشأت وأنا أسمعها تتكلم بالعربية، وبالتالي صرت أتكلم العربية قليلاً منذ الصغر إلى جانب لغتي الإنجليزية، وهذا سبب تحدثي بالعربية، خصوصا اللهجة المصرية بطبيعة الحال التي أخذتها عنها، وإن كانت (لغة عربية مكسرة) كما يقال عادة.
كيف جاء اختيارك لمهنة الطب ثم التخصص وأين كانت دراستك؟
منذ طفولتي المبكرة والطب جزء من حياتي بحكم أنه مهنة والدي ووالدتي، والحقيقة أنها لم تكن مهنة عادية بالنسبة لهما بقدر ما كانت رسالة ذات معان إنسانية عميقة، وعلى هذا الأساس وجدتني في أسرة تحمل محبة كبيرة لمساعدة الناس من خلال الطب، وكان ذلك واضحا بالنسبة لي على الرغم من صغر سني في ذلك الوقت، ولذلك لا أتذكر لحظة واحدة في حياتي لم أكن أريد فيها أن أكون طبيبا، فهذه الأجواء التي عشتها في الصغر غرست بداخلي شغفا كبيرا بالطب ودراسته، وغاياته العظمى في مساعدة وإنقاذ الناس من الأمراض والآلام والمعاناة.
وعندما كنت أرى في طفولتي وجوه المرضى وهي تفيض بالشكر والفرح بعد الشفاء كنت أتعلق يوما بعد يوم بالطب وبدراسته، وبمنح المرضى فرصا للنجاة من متاعبهم وأمراضهم. ويضيف البروفيسور وليد حسن: عندما التحقت بالجامعة لدراسة الطب في ولاية فيرچينيا بدأت القيام ببحوث علمية، وفي تلك الأثناء تعرفت إلى أساتذة جراحة الأورام في المسالك البولية، كانوا مثلا أعلى لي أنظر إليهم وأتطلَّع لأن أكون مثلهم في علمهم وخبراتهم، والحقيقة أنهم لم يبخلوا عليّ بأي مساعدة أو نصيحة أو توجيه، خصوصا أنني أجريت بحوثا وفحوصات عن أمراض وأورام البروستاتا في مرحلة مبكرة من دراستي للطب، وهو أمر ليس شائعا، ومنذ تلك اللحظة بدأ مسيرتي، ومن المعروف أن مسيرة الجراحة في أمريكا طويلة، لذلك بعد انتهاء أربع سنوات من الدراسة الجامعية التحقت بعد ذلك ولمدة ست سنوات بقسم المسالك البولية بجامعة ماونت سايناي، وهي واحدة من أكبر الجامعات والمستشفيات الطبية في مدينة نيويورك، ومنذ بداية دراستي للطب كانت لديَّ رغبة شديدة في التخصص في جراحة الأورام، وهو تخصص شديد الصعوبة يحتاج إلى كثير من الخبرات والقدرات.
ويمكنني أن أقول أيضا: ويحتاج إلى قدرة فنية بدرجة ما، الجراح الماهر والذكي لابد من أن تكون لديه قدرة فنية (جراحية)، كذلك ما شدني إلى هذا التخصص هو أن جراحة الأورام تصنع فارقا كبيرا في حياة المرضى، وأن نجاح الجراحة ينقل المريض من مرحلة اليأس والألم وفقدان القدرة على مواصلة الحياة الطبيعية إلى مرحلة جديدة من الأمل والعودة إلى حياته ونشاطه، وهناك فارق كبير بين المرحلتين، ومن أجل تحقيق ذلك حصلت على زمالة مركز ميموريال سلون كترينج، نيويورك، وهو من أكبر وأشهر مراكز ومعاهد الأورام في العالم، وفي فترة الحصول على هذه الزمالة حصلت على خبرات كثيرة في العمليات الجراحية المعقدة، خصوصا أنه في ذلك الوقت كانت الجراحة الآلية بالمناظير والروبوت في بدايتها، وهو ما أتاح لي ممارستها في زمن مبكر من حياتي المهنية.
وخلال رحلتي التعليمية لم أتوقف لحظة منذ بداية عملي بالطب عن إجراء البحوث والفحوصات، ومن بينها على سبيل المثال فحوصات حول خلية مناعية مقاومة لأمراض البروستاتا، والآن كما نرى وبعد أكثر من خمسة وعشرين عاما على مثل تلك الفحوصات نرى بالفعل أن هناك أدوية تساعد مناعة الجسم على مقاومة الأورام.
وماذا عن جراحات الروبوت؟
بعد مرحلة الزمالة عدت إلى كلية ماونت سيناي للطب بولاية نيويورك للعمل والتدريس كأستاذ مساعد لطب أورام المسالك البولية، وأيضا لاستكمال بحوثي الطبية المتواصلة، ثم انتقلت بعد ذلك (2008 - 2014) إلى جامعة طب المسالك البولية چايمس بوشانان برادي بمؤسسة چون هوبكنز الطبية بالتيمورماريلاند كأستاذ مساعد لطب وأورام المسالك البولية، ونظرا لعلاقات مؤسسة جون هوبكنز الطبية الوطيدة بالمؤسسات والجهات الطبية والعلمية في الشرق الأوسط، بدأنا نجرى أبحاثا ودراسات في المنطقة، كما بدأ في ذلك الوقت من عام 2013 التخطيط والعمل على إنشاء مستشفى كليفلاند في إحدى دول الشرق الأوسط، وهو مشروع رائد، ولم يسبق تأسيس مشروع مماثل ومتكامل يضم هذه الخبرات الأمريكية البارزة للعمل في مستشفى خارج أمريكا مثله، إذ يضم المستشفى حاليا ما يقرب من 350 طبيبا، معظمهم جاؤوا من أمريكا مباشرة للعمل في هذا المستشفى.
والهدف من هذا المشروع البارز والمتميز هو إتاحة علاج متطور للمرضي في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وهوعلاج مماثل لما هو موجود في أمريكا والعالم، وبالفعل خلال السنوات الماضية وحتى اليوم يواصل الفريق الطبي في قسم المسالك إجراء العمليات الجراحية المعقدة، وكذلك زراعة الكلي وعلاج الأورام وغيرها الكثير، وبالنسبة لتخصصي في إجراء العمليات الجراحية بالروبوت فهناك ما يسمى بالجراحات قليلة البضع، بمعنى إجراء عمليات معقدة بفتحات صغيرة في الجسم عن طريق إدخال كاميرات دقيقة للغاية إلى المنطقة المراد إجراء الجراحة فيها، وهذه الكاميرات تقوم بتكبير الصورة التي تراها العين المجردة إلى عشرة أضعاف.
وبالتالي يمكننا إجراء العمليات الجراحية بدقة أكثر مقارنة بالعمليات التقليدية، وبالتالي يمكننا تخفيف معاناة المريض بعد الجراحة، حيث يمكن للمرضى الذين نجري لهم عمليات معقدة في البروستاتا أو الكلى أو المثانة أن يغادروا المستشفى خلال يومين بعد الجراحة، ويجب تأكيد أن علاج الأورام يحتاج إلى تعاون وجهد أكثر من فريق طبي في المستشفى إلى جانب فريق الجراحة، وهو ما يسمى بالتعاون متعدد التخصصات داخل المستشفى وصولا إلى النتائج الإيجابية التي نصل إليها.
- هناك انتشار كبير لأورام البروستاتا في المنطقة العربية، وكذلك في العالم فما الأسباب؟ وكيف يمكن الوقاية من هذا المرض وتداعياته؟
أورام البروستاتا بشكل عام تعد من أكثر وأخطر الأورام تشخيصا على مستوى العالم، وفي أمريكا تحديدا قد تصل حالات التشخيص إلى أكثر من مئتي ألف حالة سنويا، كما تتصدر قائمة الأورام التي تسبب الوفاة في أمريكا والعالم، ومن المعروف أن أورام البروستاتا تزداد نسبة الإصابة بها كلما تقدم الإنسان في العمر.
وللأسف هناك اعتقاد خاطئ لدى كثير من الناس في منطقة الشرق الأوسط بعدم خطورة أورام البروستاتا وإهمال الكشف المبكر عنها، ومن خلال الدراسات والأبحاث في المنطقة سواء في مصر أم الإمارات أم الأردن وغيرها من الدول تجيء أورام البروستاتا ضمن الأورام الخمسة الأولى الأكثر تشخيصا لدى الرجال، والمشكلة الحقيقية أن الكشف المبكر عن أورام البروستاتا يحتاج إلى الوعي المجتمعي بضرورة إجراء الفحوصات مع التقدم في السن، وكذلك تحتاج انتباه أطباء الباطنة، لأن معظم هذه الأورام ليست لها أعراض ظاهرة في بداياتها، ولذلك لابد من إجراء فحوصات سنوية، ومن بينها فحوصات الدم.
ولكن للأسف هناك غياب للوعي بأهمية الفحوصات لدى الناس في المنطقة العربية، وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.
كما أن الطب الوقائي يحتاج إلى عمل كبير حتى يحتل مكانته المهمة، لذلك نجد أن ما يقرب من ستين في المئة من الحالات التي يتم تشخيصها تكون في مراحل متقدمة، مما يُعقِّد مسألة علاجها، وكان يمكن تفادي ذلك بالكشف المبكر عن الورم بفحص دم بسيط وسهل سنويا، وأظن أنه ضمن مهامنا كفريق طبي بقسم المسالك البولية في مستشفى كليفلاند، وأيضا من مهام أي طبيب في أي مكان زيادة الوعي بأمراض البروستاتا، وضرورة إجراء الفحوصات المبكرة حفاظا على جودة حياة المرضى من الرجال.
وأتمنى أن يسهم هذا الحوار ولو قليلا في لفت الانتباه إلى هذا الأمر الحيوي، وأنا بالطبع أعلم أنه في بعض المجتمعات مثل جنوب أمريكا أو في المنطقة العربية يشعر كثيرون من الرجال بالحرج عند الحديث عن هذا المرض، وهو ما يدفعهم إلى تجاهله، وربما إنكاره في البدايات، ويرفضون الذهاب إلى الطبيب خوفا من أي إجراء طبي يؤثر على (رجولتهم)، وهذا خطأ كبير، لأن العلاج المبكر هو الذي يحافظ على قدراتهم الجنسية.
وأعتقد أنه يجب العمل على نشر الوعي الذي سوف يسهم في الحد من مخاطر هذه الأورام وانتشارها، عِلما بأنه إذا كان هناك وجود لحالات إصابة سابقة بأورام البروستاتا في العائلة (الأب، الأخ، العم ) فيجب أن يكون ذلك سببا قويا لإجراء الفحوصات مبكرا في بداية الأربعينيات، وأود هنا أن أقول: إن متوسط الأعمار في منطقة الشرق الأوسط أقل من متوسط الأعمار في أمريكا وأوروبا، وسوف يرتفع متوسط الأعمار بمرور الزمن، وهو ما سيؤدي إلى وجود ملايين من الناس تجاوزوا سن الخمسين، وبالتالي تزداد أعداد الإصابات بأورام البروستاتا، ولذلك لابد من رفع مستوى الوعي بضرورة إجراء الفحوصات المبكرة حتى يمكن مواجهة هذه المشكلة.
إشارة جلطات القلب
ينتقل الدكتور وليد حسن في حديثه إلى مخاطر الإصابة بالضعف الجنسي قائلًا: يجب بداية أن نقول : إن الوظائف الجنسية عملية معقدة ومتربطة بأكثر من سبب، منها ما يتعلق بوجود الرغبة الطبيعية، ومنها الجزء الميكانيكي، وهي عملية تحتاج إلى سلامة شرايين الدم وأعصاب طبيعية، وأي مرض يؤثر على حالة شرايين الدم يؤثر بالضرورة ومباشرة على هذه الوظائف، ومنها أمراض السكر، والكوليسترول، وضغط الدم، إضافة إلى التدخين، وقد يكون الضعف الجنسي مؤشرا وإشارة إلى احتمال الإصابة بجلطات القلب بسبب مشكلات في شرايين الدم، لذلك ننظر إلى علاج الضعف الجنسي نظرة تتعلق بالحفاظ على طبيعة وجودة حياة الرجل، وكذلك الحيلولة دون حدوث مضاعفات أخرى خطيرة تهدد صحة المريض العامة، ونقوم بإجراءات أولية متعددة خاصة بضبط معدلات السكر، وضغط الدم، والامتناع عن التدخين، وإنقاص الوزن، وما أريد أن أقوله: إن مشكلة الضعف الجنسي لها حلول عديدة، فقط يجب التوجه للطبيب المختص لعلاجها، وعدم إهمالها والخجل منها.
- هل يمكن القول: إن أسلوب الحياة يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالأورام السرطانية؟
الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالسرطانات كثيرة، من بينها ما هو وراثي، وهناك أسباب تتعلق بما يمكن تسميته (أسلوب الحياة) التي يعيشها الشخص، وسلوكياته الغذائية، وعاداته الحياتية الضارة، والسموم الخارجية التي يتعرض لها الناس، وتسهم بدورها في حدوث الإصابة بالأورام، وبالتأكيد نسبة نجاح العلاج تختلف من مكان إلى آخر حسب الخبرات التي يتمتع بها الأطباء المعالجون، وتوافر التخصصات الطبية اللازمة، والأجهزة المتوافرة، وطرق العلاج المتطورة، لذلك فإن العلاج في مراكز الأورام المتخصصة أفضل كثيرا، ويحقق نتائج إيجابية.
- كيف ترى الواقع الصحي عربيًّا وعالميًّا في ظل جائحة كورونا؟
لقد رأينا مواجهة عالمية للوباء وتعاونا دوليا للحد من مخاطره، وأعتقد أنه سيكون بمقدورالعالم التغلب على الجائحة وانتشارها بزيادة عدد المُطَعَّمِين في المجتمعات، ونحن نعرف أن وباء الأنفلونزا الذي حصد أرواح الآلاف من المرضي عام 1918 تمت محاصرته من خلال التطعيم، ولا يزال ڨيروس الأنفلونزا يهدد حياة الكثيرين سنويا بعد أكثر من مئة عام من ظهوره، لذلك تستمر التطعيمات السنوية ضده، وبالتالي مواجهة الأوبئة يجب أن تقوم على التوعية بضرورة وحتمية التطعيم، وكذلك تغيير السلوكيات التي تؤدي إلى الإصابة، وأنا أقول دائما للآخرين الذين لا يرتدون الماسك: لا تفكروا في أنفسكم فقط، تذكروا أنه يمكن أن تصيبوا من حولكم بالمرض إذا كنتم مرضى ولم ترتدوا الماسك.
- هل توجِّه أبناءك إلى دراسة الطب؟
أبنائي (لينا، ليلى، شريف) لا أفرض عليهم توجها محددا لدراسة الطب، فهذا أمر متروك لهم، وأنا مؤمن بأن ممارسة الطب تعتمد على الشغف والرسالة، وأن يكون الشخص لديه ارتباط قوي بدراستها، فلا يمكن أن نجد طبيبا ناجحا لا يحب الطب من صميم قلبه، ولا يهتم بمساعدة الناس على الشفاء، الطبيب الناجح هو الذي يحمل رغبة صادقة في إنقاذ المرضى من آلامهم ومساعدتهم على العودة إلى حياتهم الطبيعية.
البروفيسور وليد حسن