من موقعها المطل على النيل بحي الزمالك، يخطفك جمال هيئتها فطرازها المعماري المميز يشعرك بأناقة المكان وفخامته وأصالته أيضا ولن تتخيل أن وجودك داخلها لن يكلفك أكثر من جنيهين لتمكث فيها ما شئت من الوقت.. مكتبة القاهرة الكبرى.. واحدة من أهم الأماكن الثقافية في مصر التي توفر لك ما يقرب من 200 ألف عنوان مهم ونادر في عالم الكتب.. كلها بين يديك للاطلاع وقتما أردت.. خطفتنا قراءاتنا المتعجلة في المواصلات، وقبل النوم دقائق، وكذلك كتب البي دي إف.. ولم نعد نهتم بجمال وقيمة تلك المكتبات وما فيها.
موضوعات مقترحة
في رحلة البحث عن أصل مكتبة القاهرة الكبرى... كانت المفاجأة.
قبل 112 عاما، وبالتحديد في عام 1902 بنى تاجر غلال يهودي، قصرا أنيقا، في أحضان نيل مصر، وبالتحديد في جزيرة الزمالك، أحد أرقى أحياء القاهرة، ثم اشترته منه، بعد فترة، الأميرة سميحة كامل، الابنة الوسطى للسلطان حسين كامل الذي حكم مصر في الفترة من 1914 إلى 1917، وحولته إلى ما يشبه الصالون الأدبي والفني.. لتعلقها بهذا المجال آنذاك.. وظلت تقيم فيه حتى وفاتها في عام 1984، ومن ثم كانت وصيتها بأن يجرى وقف القصر لأغراض ثقافية.. وقد كان.. وافتتح القصر في عام 1995 ، كإحدى أكبر المكتبات العامة بمصر.
في نصف الدنيا سنأخذك في جولة بالمكتبة، لربما أخذتك قدماك إلى هناك مرة ودخلت على إثر قراءتك هذا الموضوع لتكتشف مثلنا جمال ما فيها.
بينما تتوقف أمام المبنى الذي يأخذ رقم 15 شارع محمد مظهر بمنطقة الزمالك، فستجد نفسك أمام قصر فخم يعلوه برج شامخ، يشبه أبراج الحصون والقلاع الحربية القديمة، وهو ذاته الذي أضحى في الوقت الحالي «مكتبة القاهرة الكبرى» التي افتتحت في عام 1995 كواحدة من أكبر المكتبات العامة بمصر .يتكون القصر من ثلاثة طوابق علوية، بجانب طابق سفلي وآخر تحت الأرض، وللقصر أربع واجهات، تعد الرئيسية منها الواجهة الغربية التي تطل على شارع محمد مظهر، ويتوسطها المدخل الرئيسي والمصنوعة سلالمه من الرخام الحديث، أما الواجهة الجنوبية فتطل على داخل القصر، بينما تطل الواجهة الشرقية على الحديقة داخل القصر، التي يمكن لزوار المكتبة أن يختلوا بكتبهم فيها.
أما فيما يخص الصالة الرئيسية ضمن الطابق الأول، فهي عبارة عن صالة يوجد في داخلها سلم يؤدي إلى الأدوار العليا، بتلك الأدوار مجموعة من الغرف والقاعات ذات الطراز الأوروبي.
ويتكون الطابق الثاني في المكتبة، من قاعة علوم وتكنولوچيا بمختلف فروعها، بينما يضم الطابق الثالث قاعة للصوتيات والمرئيات بجانب مجموعة من أجهزة الـدي في دي، (DVD ) وأجهزة التسجيل الصوتي لسماع الموسيقى ومشاهدة الأفلام التسجيلية والندوات، والمكتبة المسجلة، بالإضافة إلى القنوات الفضائية. المكتبة الآن تضم نحو 200 ألف كتاب، أبرزها إصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب، ومكتبة الأسرة، والهيئة العامة لقصور الثقافة، وغيرها من إصدارات وزارة الثقافة، ومعها بطبيعة الحال، العديد من كتب التراث، والمعاجم الشهيرة.
الأقسام العلمية الأكثر إقبالا
قابلنا ياسر عثمان مدير عام المكتبة، الذي أكد لنا منذ الدقيقة الأولى لنا في جولتنا، أن المكتبة تعد بمثابة ذاكرة تاريخية للقاهرة ولمصر بشكل عام ولم تُكرر، وأنها حافظت على الهوية الوطنية، وتصدت لمحاولات الاختراق الفكري وسلبيات مواقع التواصل الاجتماعي، وحين سألناه عن معدل الزيارات وسط تلك الاختراقات قال: (مقارنة بفترة ما قبل 2019، الوضع أحسن نسبيا الآن.. فالأعداد كانت شبه معدومة في فترة أول كورونا، إلا أنها كانت مستقرة نوعا ما على فيس بوك وموقع المكتبة كتعويض عن الحضور الفعلي للمكتبة.
للحصول على الكتب التي تساعد في الأبحاث العلمية، فأكثر فئة إقبالا تلك الفترة، هم الطلبة، خصوصا طلبة مراحل التعليم الانتقالية، المكلفين بالأبحاث بدلا من الامتحانات، فاستعاضوا بالـ (أون لاين) عن الكتب الورقية.. وكذلك تكليفات الطلبة في الجامعات، وكنا وما زلنا نوفر جزءا كبيرا من كتبنا بخاصية (البي دي إف).
يكمل يسري حديثه عن المكتبة ويقول: (اللجوء إلى المكتبة لم يكن تفاعليا.. صحيح.. لكنه لم ينقطع، والبركة في موقع المكتبة وفيسبوك).
أما عن أكثر الأقسام إقبالا، فكان القسم العلمي، حسب ما قال ياسر: بأنه يحتوي على 120 ألف كتاب، ويتردد عليه أكثر من 100 شخص يوميا، ويقول: (لدينا قاعة خاصة بالفنون، فنون السينما والمسرح، وكذلك فنون التصوير، والفن التشكيلي بأنواعه، من أهم القاعات المميزة، روادها من طلبة كليات فنون جميلة، وتربية فنية ونوعية، والفنون التطبيقية، ومعاهد السينما، كتب الفنون عامة معروف عنها ارتفاع أسعارها نوعا ما، لذلك فإن قسم الفنون لدينا من الأقسام الرائجة أغلب أيام السنة).
أرشيف خرائط وصحف نادرة
مركز أبحاث مصر وقاعة القاهرة، من أهم فروع المكتبة التي تحدث عنها ياسر أيضا.. مليئة بكل أنواع الكتب التي تخص مصر، من كتب تاريخية وأثرية، بها كل شخصيات مصر، مثل مجموعة (وصف مصر) الذي أعدته الحملة الفرنسية على مصر، و(خطط المقريزي)، و(الخطط التوفيقية)، وكل تاريخ مصر بكل عصوره.. وكذلك كل خرائط مصر النادرة، أرشيف لكل خرائط المحافظات والمدن قديما وحديثا.. وصحف مصر ودورياتها القديمة والنادرة أيضا.. كأرشيف دار الهلال من أول عدد إلى الآن، وأرشيف المصور من أول عدد حتى الآن، وصحفية الأهرام كذلك من أول عدد وحتى الآن، وغيرهما من الصحف العريقة، كلها محملة على المايكروفيلم، وهي واحدة من القاعات التي عليها إقبال شديد، لأن بها طباعة، ويمكن للزائر أن يسحب العدد الذي يرغب فيه إما على (فلاشة) أو بصيغة البي دي إف أيضا.
تدريبات لطلبة وثائق ومكتبات
المكتبة لا تقتصر فقط على القراء والباحثين، بخلاف تلك النوعية من الروّاد، فإن للمكتبة رُوَّادا أيضا من طلبة فنون العمارة، يأتون لتصوير المكتبة من خارجها وداخلها، الزجاج المعشق، وجدران وأسقف المكتبة، والأعمدة الموجودة في القصر، وكذلك فإن أحد أهم رواد المكتبة أيضا طلبة وثائق ومكتبات، الذي يأتون من كل جامعات المحافظات للحصول على دورات تدريبية على العمل المكتبي والأرشفة بالمكتبة.. في مدة تتراوح بين شهر ونصف الشهر.
تحديد الهوية باستخدام موجات الراديو
ما زلنا في جولتنا بالمكتبة نستمع إلى كلام مديرها المحب لكل أركانها الشغوف بتفاصيلها وهو يحكي لنا عنها المزيد، ويقول: (مكتبة القاهرة الكبرى هي أول مكتبة عامة في مصر بخاصية الـ RFID - تحديد الهوية باستخدام موجات الراديو - سواء في عضوية المشتركين، أم في تأمين المقتنيات وجردها، وهي خاصية برغم ارتفاع سعرها، تحقق سرعة عالية في الأداء، والأهم تضمن عدم غلق المكتبة، فقبلها على سبيل المثال، كنا نغلق المكتبة ستة أشهر متواصلة لعمليات الجرد، الأمر الذي يحرم جمهور المكتبة من زيارتها في هذه الأشهر.. واليوم لا نغلق المكتبة ولا حتى ليوم واحد، فيكفي أنها تمكنا من جرد أكثر من 20 ألف كتاب في نصف ساعة تقريبا.. وأصبحت مهمة أيضا في تسهيل دخول الأعضاء، لم نعد بحاجة إلى مطابقة البطاقة بالبيانات المسجلة لدينا، يكفي مسح بطاقته إلكترونيا بجهاز موجود عند بوابة المكتبة، للتأكد من صحة عضويته، الكارت أقرب إلى ذلك الممغنط الذي نستخدمه في المترو).
ورش فنية وندوات ثقافية ليلية
إذا كانت المكتبة صباحا يرتادها الطلبة والباحثون ومحبو الاطلاع بشكل عام، فإن للمكتبة روادا آخرين ليلا، من محبي حضور الندوات الثقافية، سواء مناقشة كتاب مهم، أو حضور حفل توقيع ومناقشته لكاتب صدر له كتاب حديثا.. بخلاف الورش الفنية أو الاحتفاليات الكبرى كاليوم العالمي للتطوع أو اليوم العالمي لذوي الهمم، أو مثلها من الاحتفاليات التي تحضرها عشرات الجمعيات الأهلية، وكذلك حفلات الموسيقى العربية، التي يحرص ياسر على ألا تنقطع لتصبح المكتبة مكانا ثقافيا فنيا رائجا ليلا ونهارا.