لا شك في أن التغيرات المناخية بما تشمله من ارتفاع درجة حرارة الأرض، والاحتباس الحراري، واختلاف أنماط الطقس تشكل تهديدا للبشرية، ولا تقتصر مخاطر هذه التغيرات المناخية على النواحي البيئية والاقتصادية للدول، لكن الأمر يمتد إلى التأثير المباشر على صحة الإنسان، حيث أشارت دراسة أمريكية أجريت حديثا إلى أن تغير المناخ خلال السنوات المقبلة سوف يتسبب في زيادة الإصابة بمتاعب وحصوات الكلى، بالإضافة إلى ظهور العديد من الفيروسات الخطيرة.
موضوعات مقترحة
الجفاف ومتاعب الكلى
ذكرت صحيفة (ديلي ميل) البريطانية أن الباحثين في مستشفى الأطفال في فيلادلفيا (CHOP) في ولاية بنسلفانيا الأمريكية الذين أجروا الدراسة فسروا العلاقة بين التغير المناخي والإصابة بحصوات الكلى بأن درجات الحرارة المرتفعة الناجمة عن غازات الاحتباس الحراري ستؤدي إلى فقدان الجسم للمزيد من الماء بسبب زيادة التعرق والجفاف، وبالتالي تزيد الأضرار الصحية التي يتعرض إليها الإنسان بفعل الحرارة والجفاف، ويصبح أكثر عرضة للإصابة بمتاعب وحصوات الكلى.
ويقول الباحثون، الذين أجروا الدراسة بقيادة طبيب المسالك البولية الدكتور جريجوري إي تاسيان: إن المزيد من الأيام الحارة في المستقبل من المرجح أن يكون بسبب فقدان الماء بشكل أكبر من خلال العرق، مما يؤدي إلى زيادة تركيز البول وزيادة تكوين حصوات الكلى.
حصوات الكلى عبارة عن رواسب صلبة مصنوعة من المعادن والأملاح التي تتكون داخل الكلى، وتتشكل عندما يحتوي البول على المزيد من المواد المكونة للبلورات مثل الكالسيوم والأكسالات وحمض البوليك، كما يفتقر البول إلى المواد التي تمنع البلورات من الالتصاق ببعضها البعض، مما يخلق بيئة مثالية لتكوين حصوات الكلى.
ويقول الدكتور جريجوري إي تاسيان: إن عدم شرب كمية كافية من الماء يسهم في تكوين الحصوات لأن المزيد من الماء في الكلى يساعد على منع البلورات الصغيرة المكونة للحصى من الالتصاق ببعضها البعض، لذلك من المرجح أن تتسبب درجات الحرارة المرتفعة في الإصابة بالجفاف، مما يؤدي بدوره إلى زيادة المعاناة من متاعب الكلى وأهمها تكوين الحصوات التي قد يتطلب علاجها في كثير من الأحيان الخضوع لعمليات جراحية.
ويضيف دكتور تاسيان أن معدل الإصابة بمتاعب الكلى ازداد خلال العشرين عاما الماضية، وبخاصة بين النساء والمراهقين، ومن المتوقع أن يستمر في الزيادة على مدى العقود السبعة المقبلة، حتى إذا تم اتخاذ تدابير للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وفقا لنتائج الدراسة الجديدة.
وقال الدكتور تاسيان: إنه من المستحيل التنبؤ بمعدلات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتغير المناخ البشري خلال العقود المقبلة، ومعرفة ما ستكون عليه درجات الحرارة اليومية في المستقبل بشكل دقيق، لكن يجب الانتباه لخطورة الأمر والعمل على مواجهته بشتى الطرق.
وذكر أيضا أنه مع تغير المناخ، لا يتحدث العلماء كثيرا عن التأثير على صحة الإنسان، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالأطفال، لكن ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض سيكون له آثار سلبية كبيرة على صحة الإنسان وعلى الباحثين في طب الأطفال واجب استكشاف عبء تغير المناخ على صحة الإنسان، حيث سيعيش أطفال اليوم هذا الواقع في المستقبل.
ڤيروسات وبكتيريا قاتلة
حذر العلماء الروس من تأثير الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية لما لهما من تأثير مباشر على ذوبان الجليد الدائم الذي يغطي غالبية الأراضي الروسية، بالإضافة إلى الجليد الذي يوجد في القطب الشمالي، حيث ذكر العلماء أن ذلك من الممكن أن يطلق عددا من الفيروسات والبكتيريا القديمة شديدة الخطورة والقاتلة والتي ظلت كامنة في الجليد لمئات ووربما آلاف السنوات. وأشار العلماء على سبيل المثال إلى ميكروب (Pithovirus)، عمره 30 ألف عام، والذي كان يوجد في الجليد في سيبيريا، واستيقظ وبدأ في مهاجمة الكائنات الحية، وفقا لدراسة نشرت في عام 2014.
ولخطورة الأمر أنشأت روسيا أخيرا هيئة لفحص التهديدات التي قد تشكلها هذه الفيروسات والبكتيريا على صحة الإنسان عند ذوبان المزيد من الجليد، لأن هناك العديد من الأمراض الكامنة التي يمكن أن تعود وتنتشر مرة أخرة في أثناء ذوبان الجليد. وقال نيكولاي كورتشونوف، الدبلوماسي الروسي البارز، الذي يرأس مجلس القطب الشمالي: إن هناك خطرا من الميكروبات المحبوسة في الجليد لعشرات الآلاف من السنوات، مع ذوبان الجليد بسبب الاحتباس الحراري. وأضاف أن هناك خطرا شديدا من استيقاظ الفيروسات والبكتيريا القديمة، ولهذا السبب، بدأت روسيا مشروع (السلامة الحيوية) داخل مجلس القطب الشمالي.
وقال كورتشونوف: إن المشروع سيكلف بتقييم (المخاطر المحتملة) من هذه الفيروسات والأمراض المعدية التي من الممكن أن تهدد البشر في المستقبل. تصنف حوالي 65% من الأراضي الروسية على أنها أرض دائمة التجمد، أى أنها تظل مجمدة بشكل دائم حتى خلال أشهر الصيف، لكن مع ارتفاع درجات الحرارة بسبب الاحتباس الحراري، بدأت الأرض الآن في الذوبان وإطلاق العديد من الفيروسات والبكتيريا التي ظلت مجمدة منذ آلاف السنوات.
وأضاف كورتشونوف أنه تم اكتشاف بقايا حيوانات برية انقرضت منذ آلاف السنوات مثل بقايا حيوان وحيد القرن الصوفي الذي عاش منذ نحو 14 ألف عام، ورأس ذئب عمره 40 ألف عام. وحذر من المخاطر والتأثيرات المحتملة التي تسببها عودة ظهور الأمراض التي ربما تم تجميدها منذ العصر الجليدي الأخير، والتي قد تكون حملتها هذه الحيوانات. وحذر البروفيسور جان ميشيل كلافيري، عالم الفيروسات بجامعة إيكس مرسيليا، من إعادة إحياء بعض أنواع الفيروسات الخطيرة والبكتيريا القاتلة والتي اكتشف البروفيسور كلافيري بنفسه أحدها وهو الفيروس البثري (Pithovirus)، وأكد أن الفيروسات المجمدة لفترة طويلة يمكن أن تستيقظ وتبدأ في إصابة البشر من جديد.