راديو الاهرام

د. خالد القاضي يكتب: المستشار بولس فهمي قدوة في العمل القضائي وحب الوطن

20-2-2022 | 14:53

سنوات طويلة قضاها المستشار بولس فهمي الرئيس الجديد للمحكمة الدستورية العليا، في محراب النيابة العامة والقضاء، وهو ما أتاح لأجيال متتالية من أعضاء النيابة العامة والقضاة وغيرهم من أعضاء الهيئات القضائية الأخرى فرصة التعلم منه ليكون قدوة لهم؛ سواء في الإخلاص في عمل النيابة العامة بما تحويه من فنون التحقيق الجنائي، وأدوات المحقق لاستجلاء الحقيقة بوصفه قاضي الدعوى قبل قاضيها، بل وحكمة التصرف في التحقيقات بعد انتهائها، وفي ذات الوقت فهو قدوة في حب الوطن، والتماهي في ذاته، فكانت إرادة الله سبحانه وتعالى، ليصدر قرار جمهوري بتعيينه رئيسًا للمحكمة الدستورية العليا (ثالث أقدم نواب المحكمة)، خلفًا للعظيم المستشار الجليل سعيد مرعي الذي تمكن منه مرض عضال حال دون استكمال مدة رئاسته (رحمه الله فقد أدى واجبه على أكمل وجه ووهب حياته فداءً لهذا الوطن الحبيب)، وقد تكرم فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي (الإنسان النبيل) بأن أصدر قرارًا جمهوريًا بمنح المستشار الجليل سعيد مرعي وسام الجمهورية من الطبقة الأولى تقديرًا لخدماته الجليلة للدولة.
 
ويسجل المستشار بولس فهمي اسمه رقم (19) في رؤساء المحكمة عبر قرابة 53 عامًا منذ الرئيس الأول المغفور له المستشار بدوي حمودة.    
 
ومما يُذكر بحروف من نور وضياء وفخر واعتزاز، في مسيرة  المستشار الجليل بولس فهمي، أنه كان من الشخصيات المعدودة في تاريخ النيابة العامة، كونه أمضى أكثر من ربع قرن في محراب النيابة العامة منذ تعيينه عام 1978 وحتى 2006 لم تفصله عنه سوى فترات وجيزة، قضاها قاضيًا بمحكمة استئناف القاهرة، فقد عمل منذ تعيينه معاونًا للنيابة العامة حتى ترقيته لدرجة محامٍ عام  لنيابة الإسكندرية للأموال العامة  لمدة عامين، ثم رُقيّ إلى وظيفة محامي عام أول لنيابة الأموال العامة العليا (حيث عملتُ معه آنذاك)، وبعدها تمت ترقيته لأعلى درجات السلم القضائي رئيس محكمة استئناف فانتدب وكيلا أول للتفتيش القضائي للنيابة العامة، حين تم اختياره مستشارًا فنيًا لوزير العدل ثم مساعدًا للوزير عام 2007.
 
وشارك المستشار بولس فهمي كعضو بالوفد المصري المشارك في الأعمال التحضيرية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وكذا مؤتمرات الدول الأطراف المتابعة لتنفيذ هذه الاتفاقية سنة 2002، ورئيس وفد وزارة العدل المشارك في مؤتمر الدول الفرانكوفونية لمكافحة جرائم غسل الأموال سنة 2007، ورئيس الوفد المصري المشارك في مؤتمر الدول الأطراف الموقعة على اتفاق الامم المتحدة لمكافحة الفساد سنة 2009.
 
وللمستشار بولس فهمي العديد من الأبحاث والمؤلفات والمحاضرات العديدة في منتديات ومراكز قضائية وبحثية مرموقة داخل مصر وخارجها، كانت لها اليد الطولى في تجديد فكر ومبادئ وآليات عمل النيابة العامة.
  
وقد أصدر عام 2019 كتابًا مهمًا حول جرائم العدوان على المال العام  في التشريع المصري بين النظرية والتطبيق، في طبيعتين متزامنتين، إحداها في موسوعة الثقافة القانونية التي أتشرف بالإشراف عليها في الهيئة المصرية العامة للكتاب، والذي تقرره النيابة العامة على من يلتحق بها ضمن مجموعة الكتب الأساسية التي يتعين على عضو النيابة العامة دراستها وقد مزج فيه بين خبرته النيابية السابقة وتجربته الدستورية المُعاشة، فطالب المشرع المصري إعادة النظر في عدد من النماذج العقابية، التي تتأبى على التغيرات الدستورية، والقانونية، والواقعية، لتغير القيم الدستورية التي تحكم الاقتصاد الوطني، لسبق تقنين جرائم العدوان على المال العام في حقبة تأثرت بالنظم الاشتراكية، ثم النزوع إلى الاقتصاد الحر بديلًا عن الاقتصاد المخطط الذي تغير فلسفة ومنهجًا.  
  
وفي عام 2010 اختير المستشار بولس فهمي نائبًا لرئيس المحكمة الدستورية العليا بموافقة الجمعية العمومية للمحكمة، وفي 1/1/2013 عاد لمحكمة استئناف القاهرة بعد تطبيق دستور 2012 بقصر أعضاء المحكمة الدستورية العليا على 11 عضوًا لم يكن هو منهم، وانتدب لرئاسة محكمتي جنوب القاهرة وحلوان الابتدائيتين، حتى انبلج فجر ثورة 30 يونيو المجيدة عام 2013، وتم تعديل الدستور ليعود في 1 / 4 / 2014 نائبًا لرئيس المحكمة الدستورية العليا.
 
وفي 8 / 2 / 2022 صدر القرار الجمهوري بتعيينه رئيسًا للمحكمة الدستورية العليا اعتبارًا من اليوم التالي 9/2/2022، ليبدأ مرحلة جديدة من حياته القضائية، أعانه الله على تحمل تبعاتها وأعبائها، وقد خصص الدستور المصري الصادر عام 2014 وتعديلاته عام 2019 فصلا مستقلا بمواده الخمس عن المحكمة الدستورية العليا.
  
إن المتأمل في سيرة ومسيرة المستشار بولس فهمي النيابية والقضائية والدستورية، يدرك بجلاء أن لكل مجتهد نصيب، وأن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا، كما أن كفاءة الإنسان وإخلاصه في عمله، هو خير معين له على اجتياز عتبات فارقة في حياته، لم يكن يتخيل أو يتوقع حدوثها، وأن الأشياء تجري بقدر الله الذي له الأمر من قبل ومن بعد.
  
وأقول هذا لأنني شاهد عيان على قرارات مصيرية له، سيما منذ عام 2001، ذلك أنه لم يسع أو يطلب منصبًا قط، وكثيرًا ما كان خجله الفطري، وأصول تربيته العريقة، تجعله يعيد المداولة والنقاش حول عرض الأمر عشرات المرات قبل اتخاذ قراره بالموافقة أو التحفظ أو حتى الرفض مع الشكر والامتنان يقينًا!!

إن المستشار بولس فهمي أنموذج فذ، للمواطن المصري الذي آمن بمصريته، ومضى في عمله بدأب وجهد وكفاءة، شهد له بها القاصي والداني، لا يعير اهتمامًا لسفاسف الأمور، ولا يلقي بالًا لما يشغله عن طريقه الجاد الوقور، وهذا ما تعلمناه منه، فهو يتميز بالعلو دون استعلاء، وبالتواضع دون ضعة.
  
وختامًا، أضع كلماتي تلك بين يدي القارئ الكريم، آملًا من شباب مصر الطاهر النقي، أن يحذو حذو المستشار بولس فهمي، علمًا، وخلقًا، وإنسانية، ووعيًا، ووطنية.
 
ويسعدني تلقي تعقيباتكم وآرائكم على الإيميل؛
[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
أول أكتوبر …

أول أكتوبر د. خالد القاضي يكتب: في أول أكتوبر تتزامن بدايات سنة قضائية - برلمانية - دراسية ، بعد انتهاء إجازات الصيف، لتتواصل مسيرة الوطن بعطاءاته

د. خالد القاضي يكتب: حكمة تناوب الفصول في رمضان

من أعظم مظاهر الحكمة الإلهية لشهر رمضان المعظم، ارتباط توقيته كشهر هجري مع حركة دوران الأرض حول الشمس، ومن ثم تناوب الفصول الأربعة (الشتاء الربيع الصيف الخريف)

د. خالد القاضي يكتب: المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية

كان حُلمًا، فخاطرًا، فاحتمالًا.. ثم أضحى حقيقة لا خيالًا.. ذلك المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية حول النمو السكاني في مصر، الذي دشنه فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي أول أمس الإثنين 28 من فبراير 2022

د. خالد القاضي يكتب: وسام الاستحقاق للمستشار سعيد مرعي

في تقليد رئاسي رفيع، لرؤساء الجهات والهيئات القضائية عند تقاعدهم، يمنحون وسام الجمهورية، وفقًا لقانون الأوسمة والأنواط المدنية الصادر بالقانون رقم 12 لسنة

د. خالد القاضي يكتب: شاهد على معرض القاهرة الدولي للكتاب

من الأحداث الجوهرية في حياتي ارتباط مولدي عام 1967، ببداية التفكير في تظاهرة ثقافية عالمية للكتاب تقام على أرض الكنانة مصرنا الغالية، وفي قلب قاهرة المعز

د.خالد القاضي يكتب: ذكرياتي في عيد الميلاد المجيد

نحتفل نحن المصريين جميعًا هذه الأيام مع مليارات البشر حول العالم - بعيد الميلاد المجيد، وهو العيد رقم 2022، وتتداعى إلى ذاكرتي مواقف ومشاهد عديدة كنتُ

القانون يحمي المغفلين .. (أحيانا!!)

يعتقد البعض أن مقولة القاضي الأمريكي (القانون لا يحمي المغفلين) قاعدة قانونية، أو فوق القوانين، والحقيقة غير ذلك تمامًا، فلا تعدو أن تكون تلك المقولة

د. خالد القاضي يكتب: الطوارئ (حالة استثنائية)

الطوارئ هي حالة استثنائية، لمواجهة أخطار تُعرّض مصر أو مناطق منها إلى الخطر، وهو تدبير موقوت بمدة زمنية محددة، ويستمد شرعيته من الدستور والقانون، يُمنح

الأكثر قراءة