من منطلق الحوار المجتمعي الذي أعلنت عنه الحكومة فيما يخص ملف الإيجار القديم، أرى أن ما تم نشره والإعلان عنه حتى الآن يمثل لغمًا اجتماعيًا شديد الخطورة، وخاصة في هذا التوقيت.
هذا فضلًا عن أنني أرى أنه غير عادل، وغير منصف بوجه عام؛ حيث ساوى بين جميع العقود التي تمت قبل عام 1981، وهذا استخفاف بالحقائق لمصلحة أقلية، وفيه ظلم أيضًا لفئة كبيرة من الملاك، وهذا يقتضي العودة لجذور المشكلة.
المشكلة باختصار ترجع لعصري الملك فاروق وجمال عبدناصر تحديدًا؛ حيث كانت البداية عام 1941 بقانون سمح بامتداد عقود الإيجار دون زيادة.
وبعد ذلك جاءت قوانين أعوام 58 و62 و65 بتخفيض الإيجارات، وفعلًا كل هذه القوانين أخلت بالعدالة، وظلمت الملاك وشرعية العقد الذي يتطلب موافقة الطرفين، وبناء عليه فإن كل عقود الإيجار في الفترة ما بين 1941 إلى عام 1965 فقط هي الفترة الحقيقية التي تم فيها ظلم الملاك، وتعتبر إخلالًا بالشرعية؛ وهي موافقة الطرفين المالك والمستأجر، وهذه الفئة من الملاك لا يمكن مساواتها أو مقارنتها بما بعدها.. لماذا؟ لأن كل ما تم بعد هذه الفترة كان بالتراضي بين المالك والمستأجر.
وكان المالك يحصل على حقه؛ سواء بطلب (خلو رجل) وهو عبارة عن مبلغ كبير كان المالك يجبر المستأجر على دفعه له حتى يقوم بتحرير عقد الإيجار، وكان هذا المبلغ لا يتم إثباته في أي ورقة أو عقد الإيجار، ولا يسترده المستأجر أبدًا؛ وكان (خلو الرجل) هذا يضمن به المالك مكسبه؛ فأنا أعرف أحد المستأجرين باع نصف فدان وقدم قيمته كـ(خلو رجل) للحصول على شقة في أحد الأحياء الراقية، والآن ما هو ثمن نصف الفدان؟! ثم إن المالك هو الذي كان يحدد قيمة (خلو الرجل) بإرادته، ويحصل عليه، وإذا كان يجب إعادة النظر في رفع نسبي للإيجار فيمكن مناقشة ذلك، ولكن أليس غريبًا أن يطالب المتضررون من الإيجار القديم بمبلغ 500 جنيه شهريًا كحد أدنى لجميع الشقق السكنية، إلى جانب ٢٠٪ كزيادة سنوية! فهل تاريخ عقود هذه الشقق ومساحاتها متساوية؟ وهل ثمن المتر في كل المناطق متساوٍ؟! للأسف المقترح المنشور يجافي العدل والواقع، ويخدم مصلحة فئة قليلة وغير عادل حتى للملاك أنفسهم!!
وبناءً على ما سبق اقترح خطوات عامة تخضع للنقاش المجتمعي تشمل الآتي بالنسبة للفئة الأولى المظلومة فعلًا من قرارات عصري فاروق وناصر؛ وتشمل عقود الإيجار منذ عام 1941 إلى عام 1965 هذه الفئة تُعطى مهلة 3 سنوات، ثم هناك عرف مجتمعي وهو أي عرض جديد للشقة بمبلغ معين يتم توزيعه أو اقتسامه مناصفة بين المالك والمستأجر القديم؛ فمثلا شقة في وسط البلد هناك مستأجر جديد يريد شراءها بمليون مثلا يتم تقاسم المبلغ، أيا كان سواء كان المستأجر الجديد من طرف المالك أو من طرف المستأجر، وبنسبة 60% للمالك والباقي للمستأجر، ويتم رفع الإيجار بنسبة 300% من الآن، وبعد ذلك بنسبة 25% سنويًا، وطبعًا هذا على الإيجار السكني.
أما المساكن التي بنيت بعد عام 1965، فالوضع مختلف تمامًا فلقد حصل المالك على كل طلباته قبل السكن، وكلنا نعلم (خلو الرجل)، ويمكن النظر في رفع إيجارها بمعدلات أقل؛ فمثلا عقود السبعينيات 40%، ثم الثمانينيات 30%، ثم التسعينيات 20%، وبعد ذلك 5% سنويًا؛ وخاصة أن عقود هذه المرحلة تمت بالتراضي بين الطرفين، والمالك كان يعلم أن الإيجار أبدي ولن يزيد، وبالتالي حصل على كل طلباته وحقوقه مقدمًا، ثم إن المجتمع المصري يمر بمرحلة إصلاح اقتصادي، انخفضت فيه قيمة الجنيه لنحو النصف؛ مما أدى إلى تضاعف أسعار السلع والخدمات، ثم جاءت جائحة كورونا فزاد التضخم العالمي، وزادت الضغوط الاقتصادية على الدولة والمواطنين، وزادت البطالة مع انخفاض قيمة المعاشات؛ حيث تبلغ لأستاذ الجامعة - كمثال للحد الأعلى - أقل من ثلاثة آلاف جنيه شهريًا، وهناك معاشات أقل كثيرًا، ومعظم من سيدفعون ثمن أي قانون جديد سيكونون غالبًا في سن المعاش.
فيجب البحث عن المصلحة العامة ولا تقوم فئة معينة - صوتها عالٍ - بهدم المعبد، وخاصة أنها ليست على حق، ولكنها قادرة على إيصال صوتها؛ ولذلك يجب التروي والدراسة المتأنية للوصول للعدل؛ لأن المقترحات التي نشرت - حتى هذه اللحظة - غير عادل حتى لكثير من الملاك، كما أن مجرد نشر مثل هذه الأخبار يثير قلقًا كبيرًا بين الشعب نحن الآن في غنى عنه.. خاصة أن هناك من يتربص بمصرنا، ويريد أن يصطاد في الماء العكر.. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد!!