راديو الاهرام

ثابت أمين عواد يكتب: "الحوكمة البيئية" بالمصري..(2-2)

19-2-2022 | 15:17

نتعايش مع قضايا يحيط بها الغموض وعدم الفهم، مثل تحقيق نسب نمو اقتصادي جيدة، توضح مدى تعافي الاقتصاد وتسارع عملية النمو المتحققة، فقد تجاوزت نسبته 8% خلال الربع الثاني من العام المالي الحالي، وهي نسبة تقترب، أو تتجاوز، ما تحققه الدول الصناعية، إلا أن الناس لم تشعر بما تحقق، ولم تتغير حالة المواطن للأفضل نتيجة هذا النمو، ولم تنعكس على التعليم والصحة وكافة الخدمات، ولم يصل مردود هذا النمو إلى حياة المواطن وواقعه بعد.
 
وكذلك الحال في قضايا الفساد، حيث جهود الدولة حاسمة في استئصال عناصره ومحاكمة رموزه، ولا تفرق بين ما هو رسمي أو غير رسمي، فالكل سواء، وعلى سبيل المثال، فقد أحالت النيابة الإدارية، منذ أيام، 9 مسئولين بالجهاز المركزي للمحاسبات للمحاكمة التأديبية العاجلة لاتهامهم بارتكاب مخالفات جسيمة ترتب عليها إهدار المال العام، وغيرها الكثير.
 
كذلك ما يحدث في الطاقة المتجددة، حيث موقع بلدنا من أكثر المواقع في العالم لديه نسبة سطوع شمسي على مدار العام، بل إننا نصدر خبراتنا وتجاربنا في الطاقة الشمسية إلى الخارج، ورغم هذا نفتقر إلى توافر هذه الطاقة ومحدودية انتشارها واستخداماتها، هذه أمثلة لحالات كثيرة نمتلك منها مالا يمتلكه الآخرون، إلا أننا لا نراها على الأرض.. وكأن ما يتردد من أرقام معلنة وعناوين تكتب وتقارير تعرض في واد، وما يحدث على أرض الواقع في وادٍ آخر، أي أن هناك فجوة بين المعلن والواقع.. كيف ولماذا وأين الخلل..
 
أحدث ما وصلت إليه مؤشرات التنمية، عرضها تقرير مصري عربي عالمي هو "تقرير تمويل التنمية المستدامة في مصر"، شارك فيه ٢٤ باحثًا، بالتعاون مع ٨ كيانات حكومية، و١٤ منظمة عالمية، بإشراف الأمم المتحدة، والجامعة العربية، ماذا يقول التقرير حول مسألة "الحوكمة"؟
 
كشف التقرير عن بيانات خسائر "سوء حوكمة" مشروعات البنية الأساسية فى العالم، حيث تصل نسبة عدم الكفاءة فى الدول النامية ٥٣%، وفى الأسواق الناشئة ٣٤%، وفي الدول الصناعية ١٥%، أي أن غياب الجدية والإدارة الرشيدة والمنضبطة "الحوكمة" للمشروعات يتسبب في خسائر مروعة للتنمية ومشروعاتها.
 
هناك أمر مطمئن، وآخر مثير، فالمطمئن أن لدينا معهدًا للحوكمة والتنمية المستدامة، وهو من أوائل المراكز المعنية بإدارة الحكم الرشيد، عبر تطبيق عناصر الحوكمة في الجهاز الإداري للدولة، ومنها الشفافية والنزاهة، والكفاءة والفعالية، والمشاركة، وحكم القانون، والمساءلة، ويتبع المعهد وزارة التخطيط، التي قررت إنشاء "وحدة الحوكمة" به لتحقيق التكامل والابتكار والشراكة في صنع وتطبيق السياسات العامة ورفع أداء مؤسسات الدولة استنادًا إلى عناصر الحكم الجيد، والمعهد مهمته تتركز في إدماج مفاهيم الحوكمة الديمقراطية في الأعمال والاستشارات البحثية وبناء القدرات.. والمثير أن هذه الوحدة تعمل داخل المعهد منذ 8 سنوات، فهل حققت أهدافها؟
 
بداية فإن هذه الوحدة تختص بالعمل مع المؤسسات الحكومية لتنفيذ إصلاحات الحوكمة عبر إدخال مفهوم وممارسات الإدارة الرشيدة في المؤسسات الحكومية، ودعم الشراكة بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني.
 
نعلم أننا نمر بفترة استثنائية تجري فيها الحكومة العديد من الإصلاحات في شتى المجالات، وتضع الرؤى لما نأمل أن نحققه مستقبلًا، كما توضح د.شريفة شريف المدير التنفيذي للمعهد القومي للحوكمة والتنمية المستدامة، وتركز على القضايا الأكثر تأثيرًا على حياة الناس ومحاسبة الأقوياء للصالح العام، من خلال المزيد من الشفافية والنزاهة في الحياة العامة..
  
أيضًا أصدر الاتحاد الدولي لخبراء التنمية المستدامة، تقريرًا حول الاستدامة والاقتصاد الأخضر، وأكد أن مصر حققت طفرة في التنمية المستدامة والتحويل للاقتصاد الأخضر، حيث وضعت محور التنمية المستدامة في مقدمة أولوياتها الوطنية، فكانت في طليعة الدول التي تبنت خططًا وطنية، تتكامل وتسهم في تنفيذ أجندة الأمم المتحدة 2030، وشمل التقرير الطاقة الجديدة والمتجددة، والطاقة الشمسية وأنظمة التسخين الشمسي الحراري للمياه، فماذا يقول الواقع؟
 
يقول الواقع إن مصر تمتلك موارد هائلة من الطاقة الشمسية، ومن الخبرات الوطنية جعلتها تصدر هذه الخبرات في الطاقة المتجددة منذ الثلاثينيات من القرن الماضي، وتصدرها إلى إفريقيا على سبيل المثال.
 
ونتساءل مجددًا: لماذا لا تنتشر السخانات الشمسية ومحطات توليد الطاقة من أشعة الشمس فوق المنازل، حتى اسم الوزارة لا يقتصر على الكهرباء فقط، بل يضاف إليها الطاقة المتجددة "وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة"، نعم هناك فجوة بين المعلن والتنفيذ على الأرض والواقع.
 
نمتلك كل شيء، الخبرات والموارد البشرية والطبيعية، فضلًا عن الإرادة السياسية التي تهتم بدمج الحوكمة البيئية والتنمية المستدامة في كافة الأنشطة والقطاعات، لكننا ما زلنا ننتظر تسييل أو ترجمة كل هذه النعم والموارد والخبرات التي تمتلكها، لكي يراها المواطن ويستفيد منها يلمسها في يديه، لا أن يقرأها بعينيه فقط.
 
[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: