الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.. مقولة شهيرة، كثيرا ما نرددها، لكن ربما لا نعرف صاحبها، إنه أحمد لطفي السيد أحد العلامات المضيئة في عصر التنوير، إنها مقولة تدعو إلى الحوار الراقي والمتمدين، بل إنها قمة الديمقراطية، فأصبحت هذه المقولة بمثابة منهجًا للحوار في معالجة الكثير من المشاكل الخلافية.
أحمد لطفي السيد، مفكر وفيلسوف ومربٍ وكاتب سياسي، من قادة التنوير والتثقيف في مصر في القرن العشرين، لقب بأستاذ الجيل وأبوالليبرالية المصرية، عين وزيرًا للمعارف، ثم الخارجية، ونائبًا في مجلس الشيوخ ورئيسًا لمجمع اللغة العربية، ورئيسًا لدار الكتب، ومديرًا للجامعة المصرية، من أوائل المنادين بتعليم المرأة، وفي أثناء إدارته للجامعة تخرجت أول دفعة من الطالبات 1933م.
من أبرز مواقفه الوطنية، الدعوة للقومية المصرية كأساس لانتماء المصريين، مهاجمًا فكرة الجامعة الإسلامية التي كان يدعو لها السلطان العثماني عبدالحميد، رافضًا ربط المصريين سياسيًا بالعالم العربي أو تركيا أو العالم الإسلامي قائلا: "إن مصريتنا تقضي أن يكون وطننا هو قبلتنا وأن نكرم أنفسنا ونكرم وطننا، فلا ننتسب لوطن غيره"، كما سافر مع سعد باشا زغلول ورفاقه إلى فرنسا لعرض مطالب مصر على مؤتمر السلام في فرساي.
ولد أحمد لطفي السيد 1872م في قرية برقية بمحافظة الدقهلية،لأسرة على جانب من الثراء، فوالده عمدة القرية ومن أعيانها، ألحقه بكتاب القرية فتعلم مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، ثم ألحقه بمدرسة المنصورة الابتدائية 1882م، وبعد ثلاث سنوات انتقل إلى القاهرة والتحق بالمدرسة الخديوية الثانوية، ثم التحق بمدرسة لحقوق 1889م، تعرف في أثناء الدراسة بالشيخ محمد عبده الذي شجعه على الحرية واحترام الحقوق وقدرته على الكتابة والإنشاء؛ مما شجع لطفي السيد مع مجموعة من نابغي الحقوق على إنشاء مجلة التشريع، وفي أثناء زيارته لإستنبول 1893م التقى بجمال الدين الأفغاني وتأثر بأفكاره.
عين بالنيابة بعد حصوله على ليسانس الحقوق 1894م، ثم نائبًا للأحكام بالفيوم، ثم سافر إلى جنيف لدراسة الأدب والفلسفة، حاول الحصول على الجنسية السويسرية؛ حتى يتمكن من إصدار جريدة تقاوم الاحتلال الإنجليزي، ولكن الباب العالي العثماني رفض تجنسه، فعاد للعمل بالقضاء إلى أن ترك العمل بالحكومة 1905م، وعمل بالمحاماة، ثم تركها ليتفرغ للسياسة والصحافة.
بالاشتراك مع بعض الأعيان والمثقفين الوطنيين، أسس لطفي السيد حزب الأمة 1907م للوقوف أمام التيار الداعي إلى التقرب لتركيا، ومن مؤسسي الحزب حسن عبدالرازق وسليمان أباظة وعبدالعزيز فهمي وعبدالخالق ثروت وسعد زغلول، وترأس لطفي السيد - لمدة سبع سنوات ونصف - صحيفة الحزب "الجريدة" وكان كتابها وراء حملة التبرعات لإنشاء الجامعة المصرية، قامت سياسة الجريدة على الدعوة لفكرة "مصر للمصريين"، ومهاجمة الجامعة الإسلامية التي كان يدعو لها السلطان العثماني، فمن أقواله نريد الوطن المصري والاحتفاظ به، والغيرة عليه كغيرة التركي على وطنه والإنجليزي على قوميته، لا أن نجعل أنفسنا وبلادنا على المشاع وسط ما يسمى بالجامعة الإسلامية"، وقد أغلقت الجريدة بعد الحرب العالمية الأولى.
بعد تعيينه مديرًا لدار الكتب 1918م ترجم بعض أعمال أرسطو ثم استقال، واشترك مع سعد زغلول وعبدالعزيز فهمي وعلى شعراوي وآخرين في تشكيل حزب الوفد؛ للمطالبة بالاستقلال، وشارك في مؤتمر السلام في فرساي، ثم اعتزل السياسة بعد الخلاف بين عدلي يكن وسعد زغلول؛ بسبب رئاسة المحادثات مع بريطانيا، وعاد لرئاسة دار الكتب، إلى أن عين مديرًا للجامعة المصرية من 1925 وحتي 1941م.
وخلال تلك الفترة طالب باستقلال الجامعة وقدم استقالته مرتين الأولى احتجاجًا على إقصاء د.طه حسين بسبب كتابه "الشعر الجاهلي" 1932م، والثانية حين اقتحمت الشرطة حرم الجامعة 1937م، كما كان ضد إنشاء المدارس الدينية؛ سواء إسلامية أو إرساليات مسيحية، بالإضافة لرفضه انشاء المدارس الأجنبية في مصر.
دعاه أحمد ماهر 1944م ليكون عضوًا في الهيئة التي دعا إليها الحلفاء لدراسة إنشاء منظمة دولية جديدة بدلا من عصبة الأمم، ثم عين وزيرًا للخارجية، فشارك في المفاوضات مع بريطانيا والمعروفة بمفاوضات صدقي- بيفن، لكنها فشلت فاستقال، معتزلًا العمل السياسي نهائيًا؛ لكنه ظل رئيسًا لمجمع اللغة العربية منذ 1945، وحتى وفاته 1963م، وكان قد أسس عددًا من المجامع اللغوية؛ منها المجمع اللغوي بالعراق، وجمعيات علمية بمصر.
وصفه عباس العقاد بأنه "أفلاطون الأدب العربي"، وقال عنه د.طه حسين: "لست أعرف له نظيرًا في الكتابة ولا في التفكير ولا في الترجمة، وأزعم أن ليس بين المصريين وغير المصريين من يستطيع أن يجد له نظيرًا في هذه الوجوه الثلاثة، وليشهد التاريخ بأن مصر مدينة بالشيء الكثير جدًا للأستاذ لطفي السيد في نهضتها العقلية والسياسية والاجتماعية".