Close ad

علي محمود يكتب: اغتيال عروس الإسماعيلية

19-2-2022 | 15:18

مشهد ضرب وسحل عروس الإسماعيلية على يد عريسها في ليلة الزفاف، وأمام المارة في الشارع.. هو بلا شك مرفوض ومدان بأقسى العبارات؛ لكنه في ذات الوقت مشهد كاشف، وسلوك فاضح لقضية مجتمعية تتجاوز حد الجريمة في حق المرأة المصرية عامة، والسيدة الصعيدية بصفة خاصة، إذ إن هذه الواقعة بكل ملابساتها وأطرافها تكشف مجددًا عن واقع مؤلم وثقافة غثة، وعادات رديئة ما زالت تضرب في مجتمع ذكوري، لم يحصل على التربية الصحيحة المستنيرة.

صدق العريس الذي تعدى على عروسه – دون خجل – أمام الناس حين قال : "عادي جدًا عندنا في الصعيد ضرب البنت".. وعادي جدًا أن تتجاوز العروس برضائها أو دونه عما حدث لها من ضرب على يد عريسها، وتستكمل الفرح واضعة يدها في يده وترقص معه "سلو" على حد قوله.. ثم تتحدث وتقول: "أنا كنت عصبية جدًا وكأنها تلوم نفسها وأن صفعها كان مستحقًا..".. ثم عادي جدًا أن يخرج والد العروس ليؤكد أن الأمر أيضًا عادي، وأن العريس والعروس أولاد عم و"مفيش فرق!!"، وأنه هو من قام بتربية العريس والعروس؛ نظرًا لوفاة والدها، دون أن يستنكر أو يدين فعلًا مرفوضًا أو يعتذر عن تصرف مشين، حتى ولو من قبيل الاعتذار لمن يشاهد الواقعة.

..وهنا تكمن الأزمة وتتجلى القضية بكل صورها المفزعة وتفاصيلها المرعبة.. ففي تقديري أن هذه الواقعة المؤسفة تتجاوز حدود مشهد الضرب إلى أبعاد أخرى تصل إلى حد أن نطلق عليها قضية مجتمع بأكمله.. وأن العروس هي ضحيته؛ سواء كان هذا المجتمع يعاني من الجهل والتدني السلوكي والثقافي الحضاري، وهذا ما كان دافعًا للعريس في ضرب عروسه، وهي ضحية أيضًا لمجتمع يدعي التحضر واحترام الخصوصية؛ حيث وجدت العروس نفسها حديث الناس بسبب من قام بتصوير الواقعة ونشرها دون أن يراعي الحالة النفسية لهذه العروس، ولا يفكر في تداعيات النشر.

..ولعل ذلك كله يمثل بلا شك خطيئة مجتمعية في حق الفتاة التي يجري اغتيالها مرة على يد أقرب الناس إليها بوازع العادات والتقاليد المقيتة، ومرة أخرى على يد رواد السوشيال ميديا والإعلام، الذين انهالوا عليها بعبارات اللوم والتعنيف بدافع الزود عن حقوق المرأة تارة، أو بحثًا عن "تريند" ومكاسب مادية من اليوتيوب تارة أخرى، متجاهلين حق الضحية وحقوقها فانتهكوا حريتها وتعدوا على خصوصيتها.

المؤكد أن نسبة ليست بالقليلة من السيدات بالصعيد تعانين من التمييز وهي موروثات قديمة ما زالت تضرب بجذورها في هذا المجتمع وتحتاج إلى تحرك جاد من جميع مؤسسات الدولة لتغييرها؛ خصوصًا أن نسبة الأمية في هذه المجتمعات أكثر من 50%، وتلك آفة كبرى تقف حائلًا أمام التغيير المنشود في هذا المجتمع الذي لا يزال نسبة كبيرة فيه لا تؤمن بتعليم المرأة، ولا بميراثها، ولا بخروجها، ولا بعملها، ولا حتى بأن تكون كاملة الأهلية في الحياة الأسرية..

يقينًا أن عبارات الإدانة وكلمات الشجب والاستنكار لواقعة ضرب عروس الإسماعيلية لا تحل القضية، ولا تتعامل مع جذورها، ولا تأخذ بأسبابها.. كما أن التحامل على العروس والتشهير بها، وكسر معنوياتها، ونشر صورها لحظة ضربها في الشارع في يوم فرحتها الوحيدة هو جريمة لا تقل عن جريمة عريسها واغتيال لها.. هي حقًا قضية مجتمع، وتتطلب تحركًا مسئولًا من كافة مؤسسات الدولة لتلمس جذورها ومحاصرة تداعياتها.

..حين يتحقق ذلك تنجو المرأة من مجتمع التخلف، ومن جناة السوشيال ميديا.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة