سيظل صعيد مصر محتفظًا بعاداته وتقاليده، فمهما حدث من تعاقب للأجيال، وتطور تكنولوجي، هناك ثوابت لا يرتبط بقاؤها والتمسك بها بالتعليم أو الثقافة، هناك مفردات تختفي وأخرى تستحدث نتيجة للتطور وللتعليم والثقافة معظمها مرتبط بالطبيعة "الديموغرافية"، أي الخصائص السكانية، كثافة، نمو، توزيع، هيكلة، وقد حدث هذا بالفعل في القرى؛ حيث أصبح هناك زحف سكاني كبير حتى تلاشت الحدود بين القرية والمدينة، لكن تظل الثوابت التي نشأت وتربت عليها المرأة في الجنوب كما هي.
فإن ذهبت إلى أسوان أو قنا أو الأقصر أو سوهاج أو أسيوط وحتى بني سويف، ستشاهدها كما رأيتها في الستينيات، وما قبل ذلك "الأم" المصرية بملامحها، تلك المرأة التي شاهدناها في شخصية "زينة" التي قدمتها النجمة الراحلة نادية لطفي في فيلم "المومياء"، هي نفسها "آمنة" التي قدمتها فاتن حمامة في فيلم "دعاء الكروان"، وهي أيضًا عندما ارتفعت نسب التعليم، وبدأت المرأة في الصعيد تتقلد الوظائف وتعمل هي "وفية" التي قدمتها سميرة أحمد في مسلسل "امرأة من زمن الحب".
المرأة في صعيد مصر ليست منعزلة عن المجتمع، ولا عن التطور، إذا أراد من يتحدث عن المرأة الصعيدية أن يعرف أكثر قبل أن يغضب أهالي الصعيد، عليه أن يقوم بجولة في القرى المصرية، أن يقرأ في تاريخ وحضارة المرأة الصعيدية، ليست عنصرية لكن ما كانت ترتديه المرأة في الصعيد إبان الخمسينيات والستينيات لا يعلم عنه شيئًا، معلوماته مغلوطة، إن مرت النساء في شارع لا يمكن أن ترى ملمح أي منهن، ولها ما للرجل وأحيانًا أكثر.
كانت جدتي لأمي عقلًا مدبرًا يحتكم لها بعد مشورة الرجال، فتقول رأيها ويؤخذ به في أمور كثيرة، ثم أين هو البحر الذي كانت تستحم فيه بالمايوه، هل في صعيد مصر بحر، أو مكان يصطافون فيه، فقبل الثمانينيات لم يكن كثيرون من أهالي الصعيد يعرفون المصايف؛ لأنهم كانوا مشغولون بالزراعة، والفلاحة، فهل هذه الافتراءات على نساء الصعيد وسيلة كما يحدث حاليًا لصناعة "تريند"، أغضب به أكثر من نصف سكان مصر.
المرأة الصعيدية تعلمت، وتقلدت أمورًا كثيرة، وحصلت على درجات علمية، لكنها مثل معظم أمهات ونساء هذا الوطن ممن تربوا على القيم والمثل العليا لديهم قناعات بأن الثوابت كما هي في السلوك، أيضًا في الملبس، لسنا هنا في صراعات شكلية ماذا ترتدي المرأة كي نقول عنها إنها محتشمة، وليست المسألة الحجاب.
ففي كل قرى مصر المسيحيات والمسلمات تتشابه أزياؤهن، المسيحية تضع على رأسها "الطرحة"، ولا تذهب إلى واجب عزاء، بدونها، عليك يا من تحدثت عن زي نساء الصعيد مشاهدة صور قديمة للمرأة المصرية الحقيقية مسلمة أو مسيحية في قرى صعيد مصر، ستكتشف أن ما قلته لا يمت إلى الواقع بصلة، أما إن كان على التريند ونسب المشاهدة فيمكن تحقيقها بعيدًا عن ثوابت البسطاء من أبناء هذا الوطن.