راديو الاهرام

أسامة سرايا يكتب: لبنان سويسرا الشرق الأوسط

16-2-2022 | 23:53

بعد 17 عامًا على جريمة بشعة في قلب بيروت، سقط على أثرها زعيم عربي كبير. حيث داهموا رفيق الحريرى، وقتلوه في اغتيال مروع بتفجير موكبه في وسط المدينة التي بناها بعد أطول حرب أهلية عاشها أهل لبنان.

لم يكن رفيق الحريري مجرد زعيم لبناني كبير، أو رئيس وزراء في بلاده أو زعيم طائفته السنية فقط، بل شخصية نادرة صعب تكرارها، فهو ببساطة حمي بلده، وعبر عن جوهر طائفته التي ظلت رمانة الميزان ورمز الاستقرار والبناء، هذا البلد الغالي الذي هو ليس مجرد بلد، بل هو تجربة عربية فريدة في جوهرها ورمزيتها، للتعايش ليس بين الأديان، المسلمين والمسيحيين فقط، بل بين الطوائف من السنة والشيعة كذلك والدروز، 18 طائفة وغيرها.

لبنان موزاييك معجز للطوائف والأديان. لبنان ظل مفخرة العرب في الثقافة والفنون والجمال، طوال سنوات استقلاله من الأربعينيات أو ظهوره في عشرينيات القرن الماضى، فهو معجزة ودليل على تحضر العرب وتطلعهم لأن يعيشوا عصرهم، وفهمهم لجوهر الأديان والتعايش السلمي بينهم.

صحيح أنه بلد الطوائف، لكنه كان بلد التعايش، كذلك، لبنان جوهرة في الضمير العربي ككل.

قتل لبنان يعني قتل العرب ببساطة. وتجميد دور لبنان يعني أن العرب خارج الخدمة مؤقتا، وهم كذلك متجمدون معه، ينتظرون الخروج من الثلاجة أو التجمد وإعادة دورهم أو بعثهم للحياة من جديد.

كنا نتصور أن جريمة اغتيال باني لبنان المعاصرة، الذي أخرجها من جحيم الحرب الأهلية، مجرد جريمة بشعة، لكن لم نتصور أنها مقدمة لإعادة احتلال لبنان وقتل هذا البلد الجميل، وسيطرة فريق أو طائفة واحدة على مقاليد أمور ذلك البلد الغالي علينا، بعد 17 سنة من قتل الحريري الأب، جاء قتل “الحريرية السياسية” هناك بإخراج ابنه الشيخ سعد الحريري من الحكومة ومحاصرة دوره وإبعاده تدريجيا عن التأثير وإخراجه نهائيا من معادلة السياسة هناك، وفرضت الأوضاع السياسية والتحالفات الموجودة داخل لبنان على زعيم الطائفة السنية، الخروج من السياسة وإعلان اعتزاله، وقدم خطابًا سياسيًا بليغًا للوداع انتظارًا لتغيير الأوضاع وأعلن تجميد أو تعليق دخوله الانتخابات المقبلة والمقررة في مايو المقبل.

كانت صورة ذكري رحيل الحريري الأب هذا العام صعبة ومؤثرة، وأعادت بعده حالة الجريمة وتأثيره على أنصاره، احتشد أنصاره حول ضريحه، وكأنهم لقطاء يبحثون عن ملاذ أو بيت يأويهم، في وسط المدينة.

لبنان يعيش حالة دقيقة وصعبة اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، بل وإنسانيًا، قلوبنا مع الدولة ومع الشعب في تلك الظروف الاستثنائية الدقيقة التي ألمت بالبلد الذي ينهار اقتصاده يوميًا، وعملته تتدهور، والبنوك توقف المعاملات، والأزمات متلاحقة، ولا تتوقف، الدواء والاستشفاء مع الغذاء، أصبح صعب المنال على كل اللبنانيين، والعلاقات بين الرؤساء، البرلمان والحكومة ورئيس الجمهورية، بل مع حاكم مصرف لبنان ليس في أحسن أوضاعها، بل تكاد تكون مقطوعة، والكل في حالة انتظار لا يفعل شيئًا، وتركوا البلد لمصير صعب ومظلم، الحكومات غير قادرة على فعل شيء، حتى على التحقيق في أكبر انفجار حدث في مرفأ بيروت منذ عامين، سمي بأكبر انفجار غير نووي حدث في عالمنا المعاصر.

بعد 17 عامًا حال لبنان ليس أفضل من حال سوريا، التي تعيش ضحية الإرهاب والحرب معًا، والتي امتدت لأكثر من 11 عامًا حتي الآن.

يبدو لنا أن الشام الكبير في أزمة حادة بل وجودية ومستعصية حتى الآن على الحل للتدخلات الإقليمية الكبري في شئونها، وفي قرارها.

كانت صورة لبنان بعد 17 عامًا على اغتيال رفيق الحريري أمام ضريحه، مزعجة ومخيفة لكل محب لأهل وشعب لبنان.

كلنا تطلعنا إلى العرب إلى المنظمات الدولية وإلى الأمم المتحدة، وإلى الجامعة العربية وإلى القمة العربية المقبلة، لكي تفعل شيئًا لإنقاذ لبنان مما يحدث هناك، لا نعتقد أن المساعدات الغذائية والدوائية أو حتى المالية، هي وحدها قادرة على إنقاذ لبنان.

قد ينتظر اللبنانيون وعيونهم على العاصمة فيينا، أن يحدث اتفاق بين الغرب وإيران، ليخرج لبنان من حالته الراهنة، ومن تجميده، لكن حتى هذا الحل ليس حلًا، لأن لبنان لن يستطيع أن يعيش ويتفاعل مع مجتمعه ويتعايش لأن اللبنانيين أحرار لا يتعايشون تحت الاحتلال أو فرض القرار، العرب والعالم معًا دورهم رئيسي وإستراتيجي، وعليهم دور كبير لإعادة لبنان واللبنانيين إلى موقعهم، ليلعبوا دورهم في حياة العرب ولبلدهم ووطنهم.

ستظل صيحة المخلصين المحبين لهذا البلد الجميل، وللتعايش بين الأديان والطوائف تستصرخ الضمير الإنساني الحر، أن يخرج عن صمته ويقول بكل قوة ارفعوا أيديكم عن لبنان، كلمة قالها كل الزعماء، خصوصًا هنا في القاهرة دومًا وباستمرار.

لبنان لا يستطيع أن يعيش تحت وصاية أحد أو تحت الاحتلال، ولكن يجب أن تكون كل التدخلات الخارجية لمساعدة أهله أن يعيشوا وأن يحكموا أنفسهم بلا تدخل خارجي، حتى يعود لبنان سويسرا الشرق الذي نعرفه هل يسمع أحد صرختنا.
آمين يا رب العالمين.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مصر السيسي التي نحلم بها

بعد 10 سنوات على ثورة 30 يونيو التى لم تشهد مصر مثيلا لها فى تاريخها كله، تمثلت فى خروج الشعب، دفاعا عن تاريخه وهويته، التى كادت تسلب منه، وتسقط تحت أقدام

أنس جابر وزيرة السعادة لكل العرب

فتاة تونسية من سوسة بنت الطبقة الوسطى، سحبت البساط من تحت أقدام كرة القدم، وشعبيتها الأسطورية وملايينها، أنس جابر أعادت لنا الأمل فى أن تنتعش كل اللعبات

الأكثر قراءة