راديو الاهرام

د. شيرين الملواني تكتب: علاقة تعاون لا تناحر!

14-2-2022 | 14:24

ربما شهدت عزيزي القارئ نقاشًا في صورة مراسلات أو اتصالات بين طبيبك المُعالج والصيدلي المُكلف بصرف الدواء وشرح جرعاته؛ ولا أظن أنك استنتجت حسن العلاقة بينهما، بل تأكدت من تراشق متبادل وتسفيه ضمني لدور كل طرف تجاه الآخر؛ فنجد الأطباء كثيرًا ما ينادون الصيادلة بالسمع والطاعة؛ أي صرف الدواء المكتوب في الروشتة وأوقات تعاطيه دون إبداء الرأي العلمي عند وجود أخطاء بشرية - لا تخلو منها الحياة اليومية فلا أحد مُنزه عن السهو - مع اتهام دائم بصرف الصيدلي للدواء البديل دون الانتباه لنواقص سوق الدواء ولا المعرفة العلمية الكاملة لكلمة "بديل"، ونجد الصيادلة يعقبون للمريض عند شكواه المبدئية بيُسر معالجة الأعراض وعدم الحاجة لحجز موعد عند طبيب، بالتوازي مع مناولة دواء من على الرف يضمن سرعة الشفاء - وهنا أتحدث عن من يتجاوز حدود العلم - ولا يخلو الأمر كل حين بمطالب الأطباء بمنع قياس الضغط والسكر وإعطاء الحقن في الصيدليات، ويعلو صوت الصيادلة بوجوب الحفاظ على سُرعة الخدمات من أجل إسعاف من يعاني من عرض طارئ أو من يتابع داء مزمن؛ فلا يستلزم الأمر حجز تذكرة طبيب يوميًا للقياس؛ خاصة في ظل مستشفيات مُكدسة في أقسامها بسبب جائحة كورونا وعدم توافر الخدمة في أغلب قسم الطوارئ بها، ولا ننسى المردود المادي الضعيف جدًا في خزينة الصيدلي كعائد لتلك الخدمات.
 
وسنجد أن هذا التراشق والاتهامات المتبادلة وربما العند أحيانًا لا يدفع ثمنه سوى المريض وبالتبعية المنظومة الصحية في مصر؛ وهو ما طالعناه مؤخرًا باتهام موجه من بعض الأطباء بوجود أدوية مغشوشة في الصيدليات تتسبب في الوفاة؛ وبعد النفي والبيانات الشفافة من الوزارة التي لا تدخر جهدًا في مراقبة تشغيلات الدواء، وتقوم من خلال مُفتشيها النشطاء بالضبط والإعدام الفوري للتشغيلة المغشوشة، وعدم الاكتفاء بتوزيع النشرات والإخطارات؛ إلا أننا وجدنا اتهامات أخرى تُكيل للصيادلة من نقابة الأطباء لبيعهم أدوية دون استشارتهم، وهو مايطلق عليه أدوية الرف أو الـ"OTC"، كمسبب أول لوفاة المرضى!! وهنا لابد أن أتحدث بلسان صيدلي بحكم المؤهل والمهنة؛ فالصيدلي الذي درس علم العقاقير (pharmacognosy) وغيره من علوم تحليل الدواء لمدة خمس سنوات؛ ودرس تفصيليًا تركيب المواد الفعالة ومسارها في الجسم البشري وآثارها الجانبية؛ لا يجرؤ على وصف دواء من على الرف خاص بأمراض مزمنة؛ بل يعمل في محيط علمه وتخصصه ويبجل التشخيص الطبي ويوجه المريض إليه، ويتحرك في حيز أدوية المأمن؛ أي ما تحتوي على النباتات الطبيعية أو تلك التي ليس لها آثار جانبية خطر؛ كالخاصة بأمراض الصداع العابر وليس المزمن، والتقلصات وآلام الجسم كعلاج مؤقت وغيرها من الأعراض البسيطة التي يمكن تسكين آلام مريضها حتى الكشف، بعد سؤاله عن حالته الصحية العامة ومعاناته من أمراض أخرى وإفادته بالتعارض أو التوافق مع جدول أدويته المتبع؛ هذا هو الصيدلي المُتمكن؛ لا يتعدى على اختصاص أحد ولا يرتدي عباءة الطبيب، ولكن بالنظر إلى القصور في منظومة إدارة الصيدليات؛ نجد أغلب العاملين غير صيادلة أي من حملة المؤهلات العليا والمتوسطة، وهم من يطلق عليهم (المناولين)، ويتم الاستغناء عن الصيادلة لصالحهم لضعف مرتباتهم؛ وهو ما طالبنا به مرارًا بضرورة القضاء على تلك الظاهرة التي من شأنها خراب الوضع الصحي لجهل هؤلاء واعتمادهم على التلقين والشبه في الأدوية.
 
ونأتي للمُعضلة الأكبر والتي وجدت حلها في بلاد الفرنجة؛ فلا روشتة دواء موجهة من الطبيب للصيدلي في أوروبا مدون بها الاسم التجاري لدواء بعينه، فهذا أمر مرفوض بتاتًا؛ بل يُحدد الطبيب فيها المادة الفعالة ونسبتها المطلوبة كعلاج بعد تشخيص الحالة، وعليه يقوم الصيدلي بصرف المتوفر من أصناف مُتعددة تحمل نفس المادة الفعالة مع اختلاف الأسماء التجارية وتعدد الشركات المنتجة، وهو نظام بُحت أصواتنا من أجل تطبيقه؛ كحل ناجز لكلمة "بديل" التي يظن المريض والطبيب نفسه أن الصيدلي قد قام بتغيير الدواء! ولا يستوعبها أحد؛ بل تخرج قامات نعتز بوجودها وسطنا كأعلام في الطب وتتهم البديل بالتسبب في تأخر الشفاء!

هذا في ظل معاناتنا كصيادلة من دوامة تعدد الأصناف - بالآلاف - وتُنسى بالمنطق الأصناف الأقدم، ونتبارى في توفير الأحدث، مع العلم أن أغلب شركات الدواء ومندوبيها يقومون بتكثيف مُغريات الدعاية لكل منتج جديد للطبيب المسئول عن كتابة الصنف، ولا يدفع الثمن سوى الصيادلة من مُرتجعات ومشاحنات مع الشركات أو اتهام بانعدام الضمير عند صرف البديل!
 
العلاقة بين الطبيب والصيدلي لا تقوم على التناحر، وهنا أحمل طرفي المنظومة المسئولية، بل هي علاقة تكاتف وتوازي وتعاون من أجل مصلحة الطرفين وثالثهما والأهم مصلحة المريض؛ فكل متخصص، الطبيب كأمانة تشخيص وكتابة المادة الفعالة المُعالجة والصيدلي كصرف للمنتج المطلوب أيا كانت شركته ومتابعة الجرعات والتنبيهات وشرح الآثار الجانبية للمريض؛ لذا هنا نهيب بالنقابتين التكاتف لمعاقبة كل مقصر في مهنته، كما ندعوهم لتفعيل منظومة تعاون في البيانات كرد على أي إشاعات تنال من الطرفين دون إلقاء اللوم أو التهمة على الآخر، مع بذل الجهود من أجل استئصال نقاط ضعف المهنتين ومحاولة طرد دخلائهما؛ فتسير المنظومة الطبية في القطاع الخاص أكثر تناغمًا وسلاسة وتعود بفائدة على سوق العمل؛ فكوادر مصر لا مثيل لها في أي دولة في العالم.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
د. شيرين الملواني تكتب: "نداء لصيادلة مصر"

بحت أصواتنا كصيادلة أصحاب ضمير؛ ننادي زملاء المهنة بعدم تشغيل دخلائها، وعدم الاعتماد عليهم في صرف الدواء والتحكم في جرعاته، وتنحيتهم تمامًا من مشهد مواجهة

د. شيرين الملواني تكتب: "نظرة على الانتخابات الفرنسية"

منافسة قوية ومواجهة ساخنة بين إيمانويل ماكرون ومنافسته في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية الفرنسية مارين لوبان ، اتخذت المواجهة طابعًا إعلاميًا قويًا

د. شيرين الملواني تكتب: بيع أم تمكين أم شراكة!

وصل لمسامعنا نوفمبر الماضي أطروحة شراكة القطاع الخاص مع القطاع العام؛ من خلال مجموعة من الآليات المُقترحة؛ لتمكين القطاع الخاص بالتوازي مع إعادة هيكلة

د. شيرين الملواني تكتب: "أقسى من جائحة كورونا"

بالأدلة والأرقام وصلت أزمة التضخم ذروتها عالميًا (الأسوأ منذ عام ٢٠٠٨) مسببة أضرارًا كبيرة على الأسر في جميع أنحاء العالم كنتيجة لاضطراب سلاسل الإمداد،

د. شيرين الملواني تكتب: "مدارس التكنولوجيا"

لن يتغير الموروث الفكري والمجتمعي البائد المُنصب على تبجيل المؤهلات العليا، والتهافت على كليات القمة وغيرها، حتى وإن لَفظت عاطلًا عالة على الوطن مُكبدًا الدولة خسائر اقتصادية

الأكثر قراءة
خدمــــات
مواقيت الصلاة
اسعار العملات
درجات الحرارة