مع وجود الاختلاط في المدارس والجامعات والعمل، وسوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتدني الأخلاق، كثير من الأزواج أو المخطوبين يتشككون في سلوكيات بعض، وقد يدفع هذا التشكك أحد الزوجين أو المخطوبين إلى التجسس على الآخر؛ بأي وسيلة من الوسائل المشروعة وغير المشروعة، حتى يطمئن قلبه تجاه الطرف الآخر!!
ويظل هذا المتشكك في حيرة من أمره ولا يغمض له جفن، ولا يهدأ له بال حتى يتبين من نزاهة وبراءة الطرف الآخر من تلك الهواجس والظنون والخيالات، التي تطارده في يقظته ومنامه، وقد تتحول حياته إلى جحيم، ويزداد الطين بلة إذا شعر الطرف الآخر أنه مراقب، وأنه غير موثوق به، فهنا تنهار العلاقة ويضيع الحب والاحترام.
وتتعقد المشكلة أكثر وأكثر إذا كان لدى الزوجين أطفال، فتلك الأرواح البريئة والملائكة الصغار هم من سيدفعون الثمن دون ذنب جنوه، وهم الخاسرون في كل الأحوال؛ سواء استمر الزواج بين الأبوين، أو حدث الطلاق - لا قدر الله - فالأطفال خاسرون في حال استمرار الحياة الزوجية مع عدم وجود ثقة وانسجام وتوافق وحب ورحمة وسكينة بين أبويهم، وسينشأون في بيئة مسمومة، وستصبح أفكارهم مشوشة ومشوهة وشخصيتهم مهزوزة، وهذا سيظهر جليًا على مستواهم الدراسي وصحتهم النفسية.
أما إذا حدث انفصال - لا قدر الله - بين الزوجين، فالأطفال هم أيضًا الضحية، وهم من سيدفعون الثمن، وسيصبحون كريشة تتخطفها الطير، أو تهوي بها الريح في مكان سحيق.
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال يفرض نفسه، ألا وهو: هل يحق للأزواج أو المخطوبين أن يتجسسوا على بعض؟ ومن الذي أعطاهم هذا الحق؟!
فإن الله عز وجل قد نهى عن إساءة الظن وعن التجسس، وعن تتبع زلات الآخرين وعثراتهم، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا) {الحجرات: 12}، وفي هذه الآية نهانا الله تعالى نهيًا مؤكدًا عن الظن والتجسس والتحسس والبحث عن أمور الناس المستورة أو تتبع عوراتهم.
وقال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" في حديث صحيح: إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تباغضوا، وكونوا إخوانًا... إلى آخر الحديث)، ويظهر جليًا من هذا الحديث أن النبي "صلى الله عليه وسلم" يحذرنا من الظن وهو تهمة تقع في القلب بلا سند أو دليل؛ مما يؤدي إلى الفرقة والعداوة والتباغض؛ بل وصف رسول الله "صلى الله عليه وسلم" الظن بأنه أكذب الحديث، لأن الكذب يقع في الظن أكثر من وقوعه في الكلام العادي، لأن الشيطان - أعاذنا الله منه - يلقي في نفس الإنسان الشك والهواجس حتى يفرق بين المرء وزوجه.
وقد نهى رسولنا الكريم عن تتبع عثرات الأهل أو تخوينهم، وليس ذلك فحسب؛ بل نهى أن يدخل الرجل على زوجته فجأة دون إعلام واستئذان، فروي عنه "صلى الله عليه وسلم" أنه كان يكره أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يتلمس عثراتهم.
الخلاصة: أن الشرع لا يجيز للزوج ولا للزوجة التجسس على الآخر، ومن يقدمون على فعل ذلك فإنهم يخربون بيوتهم بأيديهم، فما دمنا لم نر ما يريب أو يحملنا على الشك، فيجب علينا أن نحسن الظن، وأن نأخذ بالظاهر، والله وحده هو من يتولى السرائر، بل أمرنا الله تعالى بأنه إذا وجدنا أمورًا غامضة وغير طبيعية، علينا وقتها أن نتبين ونتحقق الأمر جيدًا قبل أن نتهم أحدًا بالباطل، ولا نستمع إلى شياطين الإنس أو الجن، والمواجهة ثم المواجهة ثم المواجهة هي أفضل حل في مثل تلك الأمور، حتى لا يقع ما لا تحمد عقباه، وحينها لن يفيد ولا ينفع الندم، فقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) {الحجرات: 6}.