محمد فرغلي باشا من أهم رجال الاقتصاد في مصر منذ ثلاثينيات القرن العشرين وحتى ثورة 23 يوليو 1952م، فكان صاحب أنجح شركات القطن أطلق عليه "ملك القطن"، رفض مغادرة مصر بعد تأميم شركاته وفرض الحراسة على كل ممتلكاته، مفضلا العمل مستشارًا لمؤسسة القطن في مصر براتب 100 جنيه على العمل مستشارًا لأحد البنوك الإنجليزية في لندن براتب 25 ألف جنيه!!
كان يرى أن رجل الأعمال الناجح لا ينخدع بالمال ومع المال ومن أجل المال، وأن تكون ابتسامته مثل مصروفاته، تخضع لحساب دقيق حين تضيق وحين تتسع، وأن سر نجاح رجل الأعمال تكمن في تحويل الموظفين معه إلى شركاء.
ولد محمد فرغلي بالإسكندرية 1901م لأسرة ميسورة الحال تعمل بتجارة الحبوب، سمي الشارع الذي ولد فيه باسم أسرته، شارع فرغلي بين المنشية والجمرك، تعلم بمدرسة "الجيزويت"، ثم التحق بكلية فيكتوريا، وإلى إنجلترا سافر لاستكمال دراسته الاقتصادية، لكنه اضطر إلى العودة لمرض والده، ليباشر تجارة أسرته، وكان رأس مال والده 30 ألف جنيه.
بدأ فرغلي يتردد على بورصة مينا البصل بالإسكندرية؛ حيث بؤرة النشاط التجاري في مصر كلها، يسيطر عليها الأجانب محققين أرباحًا طائلة، أما المصريون فكانوا يعملون في العتالة فقط، عرض على والده فكرة العمل بالتصدير لكنه رفض، فنشأ خلاف بينهما، فقرر أن يبدأ مشروعًا خاصًا فأنشأ مزرعة للخنازير على مساحة 900 فدان تمتلكها الأسرة في المنصورة، وبعد سنتين صفى مشروعه بعد أن استدعاه والده وقد حقق ربحًا قدره 3 آلاف جنيه، استطاع إقناع والده بالتصدير، ولكنه خسر في الصفقة الأولى 4 آلاف جنيه، فكان الدرس الأول في حياته العملية.
بدأت رحلة محمد فرغلي مع النجاح والشهرة بعد موت والده 1927م، فكان أول مصري يدخل مجال تصدير القطن بحصة أقل من 25% من إجمالي القطن المصدر، وبعدها بنحو 11 سنة أصبح يصدر 15% من القطن المصري، وبذلك أصبح أكبر مصدر للقطن المصري.
تم انتخابه وكيلا لبورصة مينا البصل 1935م ليكون أول مصري يصل إلى هذا الموقع وفي العام نفسه حصل على البكوية من الملك فؤاد، ثم حصل على الباشوية 1941م.
حرص فرغلي على عدم دخوله معترك السياسة فكان يرى أن زواج السياسة والمال كارثة الكوارث وقد رفض منصب وزير المالية مرتين، لكنه كان يحرص على العلاقات الطيبة مع رؤساء الوزارات والوزراء باعتبارها ضرورة ليسير العمل في الاتجاه الصحيح.
واجهت فرغلي في مشوار حياته ثلاث أزمات قاسية كانت الأخيرة هي الأشد والتي دفعته للبكاء أمام زوجته، حيث تعاقد على بيع ربع مليون قنطار من القطن قيمتها مليوني جنيه وبعد التعاقد رفضها خبراء بورصة القطن بحجة عدم مطابقتها للمواصفات ولا جدوى لاحتجاجه، فلم ينقذه من هذه الأزمة سوى حريق القاهرة 1952م، بعد أن سقطت الوزارة الوفدية وتشكلت وزارة جديدة قبلت القطن الذي سبق رفضه.
في لقائهما الأول، قال محمد فرغلي للرئيس جمال عبدالناصر "يا رفعة الرئيس كيف لا أؤيد تغييرًا يسعى إلى تحقيق الأفضل، ولقد كنت أتوقع مثل هذا التغيير بدءًا من 1949م، وكان خوفي أن تقع السلطة في أيدي الأخوان المسلمين فيعود المجتمع إلى الوراء".
وعن ثورة يوليو قال "كنت رأسماليًا في دولة مستعمرة يحكمها ملك ليس من أبنائها أصبحت رأسماليًا في دولة مستقلة تحكمها إرادة أبنائها، أليس الرأسمالي في وطن حر مستقل أفضل من نظيره في وطن مستعمر!"، لذلك كان تصميمه على البقاء في مصر حتى بعد تأميم شركاته ووضعها تحت الحراسة.
قدم فرغلي باشا للمحاكمة بتهمة التلاعب في بورصة الأقطان بناء على مذكرة من مجموعة تجار لمجلس قيادة الثورة وفي أول جلسة للمحاكمة قال عبداللطيف بغدادي رئيس المحكمة أنه أخرج من القضية لعدم توافر أي أدلة تدل على إدانته.
عند التأميم قدرت قيمة شركات فرغلي بمبلغ مليوني جنيه، في حين أن قيمتها الحقيقة أربعة أضعاف، وفرضت على أملاكه الحراسة وخصص له راتب شهري قيمته جنيهان ونصف! في تلك الفترة تلقى عرضًا للعمل كمستشار في أحد البنوك الإنجليزية في لندن براتب 25 ألف جنيه، بالإضافة إلى مسكن وسيارة وسائق، لكنه رفض العمل خارج مصر، ووافق على العمل مستشارًا لمؤسسة القطن في مصر براتب يعادل رئيس مجلس الإدارة، ولكن المجلس رفض وقرر ألا يزيد راتبه على 100 جنيه.
لم يعترض فرغلي على التأميم، ولكن اعتراضه كان على الأسلوب وكيفية التقييم والتعويض، أما الحراسة فرأى أنها أقرب إلى الأعمال الانتقامية التي تنتهك كرامة الإنسان.
ظل فرغلي باشا مقيمًا بالإسكندرية يقضي وقته في نادي سبورتنج إلى أن انتهت رحلة ملك القطن الأنيق شكلًا وخلقًا صاحب الطربوش الطويل والقرنفلة في عروة البدلة بوفاته 1987م.