د. ماهر عبد الرحمن: إنجاز تكنولوجي هائل وضروري من أجل حماية العالم من المخاطر البيئية
موضوعات مقترحة
د. أحمد البرقوقي: يتم حقنه تحت الأرض لتحسين إنتاج النفط والغاز بديلاً عن حقن الغاز الطبيعي
د. عادل عباس: لا يوجد أي ضرر من تخزين ثاني أكسيد الكربون ومتوقع أن يتحول إلى أملاح معدنية بعد عدة سنوات
د. أحمد نوح: حقول النفط والغاز الناضبة أماكن جيدة لتخزين الغاز الكربوني
يشكّل تراكم ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى، أحد أهم التحديات التى تواجه البشرية فى القرن الحالى، فملايين الأطنان من هذا الغاز تراكمت فى الغلاف الجوى، وزاد معها الاحتباس الحراري، ونتجت عنها تغييرات مناخية قاسية. وتسهم المجالات الصناعية على مستوى العالم فى انبعاثات ثانى أكسيد الكربون بنسبة 27% من إجمالى الانبعاثات. وتعتبر صناعة الحديد والصلب والأسمنت من أكثر الصناعات التى ينبعث عنها غاز ثانى أكسيد الكربون، إضافة إلى قطع الأشجار من الغابات التى تفاقم من أزمة الاحتباس الحرارى.
لمواجهة تلك الممارسات الضارة بالبيئة، يتجه كثير من دول العالم حاليا، لإنشاء محطات تعمل على احتجاز ثانى أكسيد الكربون، وهو ما يعد إنجازا تكنولوجيا هائلا وضروريا، من أجل حماية العالم من المخاطر البيئية الناتجة عن التغييرات المناخية، خصوصا منطقتنا العربية.
يقول دكتور ماهر عبد الرحمن، أستاذ المنشآت الخرسانية، ورئيس قسم هندسة التشييد بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، إن محطات احتجاز ثانى أكسيد الكربون، تعتبر إنجازا تكنولوجيا هائلا وضروريا، من أجل حماية العالم من المخاطر البيئية الناتجة عن التنمية الصناعية والإنشائية، التى يجب أن تستمر من أجل استمرار الحياة وتطويرها المستمر.
ويضيف: من وجهة النظر الهندسية أرى أنه يمكن إلحاق هذه المحطات مباشرة كوحدة ثابتة ومهمة من وحدات مصانع وخطوط إنتاج الحديد والأسمنت، كما يعتبر الحجر الجيرى الناتج النهائى من محطات احتجاز ثانى أكسيد الكربون احد المواد الأساسية التى يمكن استخدامها، وإعادة تدويرها فى إنتاج الأسمنت والمواد الأخرى التى تستخدم فى أعمال البناء والإنشاءات
بينما يوضح دكتور أحمد البرقوقي، أستاذ الجيولوجيا بجامعة القاهرة، كيفية حقن ثانى أكسيد الكربون تحت الأرض، مشيرا إلى أنه بعد اقتناص ثانى أكسيد الكربون أو إنتاجه فى بعض الصناعات، فإنه يمكن ضغطه ونقله إلى مواقع حقول البترول المستنفدة وضعيفة الإنتاج، حيث يتم حقنه فيها تحت الأرض لتحسين إنتاج النفط والغاز من المكامن الجوفية، بديلاً عن استخدام الغاز الطبيعى للحقن، وبذلك يتم توفير الغاز الطبيعى لاستخدامه فى أغراض أخرى، موضحا أنه يمكن أيضاً حقن ثانى أكسيد الكربون تحت الأرض بغرض التخزين الدائم للتخلص منه وحبسه فى طبقات مسامية، ويعرف ذلك باسم “العزل الجيولوجي”، وتعد المنطقة العربية من أكثر المناطق فى العالم إنتاجاً للنفط، وبذلك تكون أهمية تطبيق تلك التقنيات كبيرة، وقد كانت سلطنة عمان من أوائل الدول العربية دخولاً إلى حيز التطبيق.
وعن الآثار الجانبية المحتملة لعمليات الحقن تحت الأرض، أوضح أن بعض الباحثين يتخوف من التسبب فى هزات أرضية صغيرة إلى متوسطة، مع اتساع مجال تطبيق تلك التقنيات.
ويرى دكتور أحمد نوح الأستاذ بمعهد بحوث البترول، أن تركيز غاز ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى ارتفع منذ بداية الثورة الصناعية، من 280 جزءاً من المليون ليصبح حالياً 380 جزءاً من المليون، وقد اهتم عدد من الباحثين بإيجاد حلول لتراكم غاز ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوي، للتخلص من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، التى يتم إطلاقها فى الغلاف الجوي، من خلال إعادة حقنها فى أعماق الأرض.
يتزايد الطلب عالمياً على مصادر الوقود الأحفوري، الفحم والبترول والغاز الطبيعي، وترزح شركات توليد الطاقة تحت وطأة الانبعاثات الغازية التى تتسبب بها، فمحطات توليد الطاقة الكهربائية من الفحم الحجري، تنتج كميات ضخمة من الغازات الضارة، وهى بالتالى تتكبَّد دفع ضرائب الكربون الباهظة، وعلى الرغم من الجدل العالمى حول مدى تأثير تلك الغازات المنبعثة من مصانع إنتاج الطاقة فى شتى أنحاء العالم، ومن كل نشاطات الإنسان اليومية، فإن كبح جماح تلك الانبعاثات، يُعد أمراً مرحباً به عالمياً، فهو من جهة يحقِّق مطالب أنصار البيئة، ومن جهة أخرى يضمن لقطاع إنتاج الطاقة من مصادر الوقود الأحفوري، الاستمرار دون دفع مبالغ مالية طائلة، تحت ما يعرف باسم «ضرائب الكربون».
مشاريع عربية وعالمية
وتُعد حقول النفط المستنفذة من أسهل الأماكن التى يمكن تخزين ثانى أكسيد الكربون فيها، أما آبار الغاز الطبيعى الناضبة، فتُعد أيضاً أماكن جيدة لتخزين الغاز الكربوني، ومن أهم مشاريع احتجاز الكربون من الغاز الطبيعى، مشروع غاز عين صلاح فى الصحراء الجزائرية، حيث يتم تطبيق أحد أكبر مشروعين لاحتجاز وتخزين الكربون فى العالم، والمشروع الأول مشروع حقل «سليبنر» للغاز على شاطئ النرويج.
كما تقوم شركة أرامكو السعودية، حالياً بتنفيذ أول مشروع تجريبى لها، لاحتجاز ثانى أكسيد الكربون الناتج عن معمل استخلاص سوائل الغاز الطبيعى فى الحوية، حيث يتم إعادة حقن الغاز الكربونى فى حقول الزيت فى منطقة العثمانية لتحسين عملية الإنتاج، كما عملت أرامكو السعودية خلال العام المنصرم 2012م على حفر عدد من آبار الحقن والمراقبة، وتم وضع خطط شاملة لرصد ومراقبة، وتتبع طرق تدفق ثانى أكسيد الكربون المدفون تحت الأرض، ويتوقع أنه بانتهاء الربع الثالث من عام 2014م ستكمل أرامكو السعودية مشروعها الهادف إلى احتجاز 45 مليون قدم مكعبة قياسية من الغاز الكربوني، حيث تسعى هذه الشركة الرائدة فى مجال استخراج النفط إلى تبنى كل التقنيات الحديثة، التى تهدف إلى الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ويجرى الباحثون الآن اختبارات لإنشاء مشروع آخر فى أيسلندا لحقن الغاز الكربونى فى البازلت، وعلى الرغم من أهمية الطبقات البازلتية، كأماكن لتخزين ثانى أكسيد الكربون، إلا أنها حتى الآن قد اكتشفت فى أماكن محدودة فى العالم، ولهذا يولى المهتمون بهذه التقنية اهتماماً كبيراً بمستودعات الحجر الرملي، نظراً لانتشارها فى بقاع شتى فى العالم، وتوفر معلومات جيولوجية كافية عنها.
ويعقب عملية الحقن، مراقبة مستمرة طويلة الأمد، لمعرفة إمكانية وجود تسرب لغاز ثانى أكسيد الكربون إلى سطح الأرض أو إلى المياه الجوفية المحيطة بمكان الحقن.
تطبيقات بالخليج العربي
وفى تصريحات مدير عام شركة أبوظبى العاملة فى الحقول البرية، عبد المنعم سيف الكندى، قال إن شركة بترول أبوظبى الوطنية ‘تجرى دراسات أولية وأبحاثا خاصة باستبدال غاز الحقن الخاص بحقن الآبار بغاز ثانى أكسيد الكربون، فى خطوة تساعد فى الحفاظ على البيئة والصحة وتخفف الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، وهذه الدراسات لا تزال فى مراحلها الأولى، مشيرا إلى أن استبدال الغاز، الذى سيكون قابلا للاستهلاك المحلى سيتم توفيره من الآبار الخاصة لشركة أبوظبى العاملة فى الحقول البرية، وعبر هذه الخطوة، يتم حبس غاز ثانى أكسيد الكربون المنبعث من محطات الطاقة وغيرها من الصناعات الثقيلة، واستخدامه فى مشاريع الاستخلاص المعزز للنفط فى المكامن.
التقاط الكربون
ويؤكد دكتور عادل عباس عمارة - أستاذ الكيمياء بكلية التربية - جامعة عين شمس، أن ثانى أكسيد الكربون من أهم الغازات المكونة للغلاف الجوى بطبقة التروبوسفير، وهو جزء لا يتجزأ من دورة الكربون وهى دورة جيوكيميائية حيوية ينتقل فيها الكربون بين محيطات الأرض والتربة والصخور والغلاف الجوي، ويمتص ثانى أكسيد الكربون الأشعة تحت الحمراء ويبعثها عند أطوال موجية معينة لكى تعطى الدفء، ولذا فهو غاز دفيء له تأثيرُ مهم على درجة حرارة سطح الأرض، تؤدى إلى ظاهرة الاحتباس الحراري.
ولمواجهة ذلك يوجد حتى الآن عدد من المشاريع العلمية لتخزين ثانى أكسيد الكربون فى 13 دولة، تتقدمهم النرويج وسويسرا واليابان، فى الطبقات السفلية للأرض تحت سطح المحيطات، لكن بطريقة مدروسة، كما اهتمت دول أخرى مثل كندا واليابان بالتقاط ثانى أكسيد الكربون من الهواء الجوى، وذلك عن طريق عدد كبير من المضخات، تحتوى على مبردات لتجميع ثانى أكسيد الكربون من الهواء الجوى، ولاقت الفكرة استحسانا، وحدث تغيير ملحوظ فى نسبة ثانى أكسيد الكربون لعدة كيلومترات فى الدائرة المحيطة للمشروع، والمشروع قابل لتكراره فى مقاطعات مختلفة بكندا، ومازال تحت الإعداد.
كما لا يوجد أى ضرر من تخزين ثانى أكسيد الكربون، حيث أنه كان من المتوقع بعد حقن ثانى أكسيد الكربون بعد إذابته فى الماء، يمكن امتصاصه فى الطبقات الأرضية أسفل المحيطات بعدد من الكيلومترات، حيث كان متوقعا أن يتحول إلى أملاح معدنية بعد عدة سنوات، لكن مع تحليل بعض العينات وجدول تكوين الأملاح المعدنية المحتوية على الكربونات، تتكون بشكل سريع للغاية ولا يوجد له أى أضرار بيئية سواء للبشر أم الكائنات البحرية.
زراعة الأشجار
أما دكتور على مكى خبير علوم البيئة، فيقول: إن أساليب احتجاز الكربون متعددة وتشمل التشجير، والممارسات الزراعية التى تقوم بحبس الكربون فى التربة، والطاقة الحيوية مع احتجاز الكربون وتخزينه، وتغذية المحيط، والالتقاط المباشر من الهواء، وأثبتت دراسة أجراها فريق من علماء إدارة الغابات بوزارة الزراعة الأمريكية، أهمية زراعة الأشجار فى تحقيق التوازن مع انبعاثات الكربون المتزايدة فى الولايات المتحدة، من خلال زيادة قدرة الغابات على عزل كميات أكبر من تلك الانبعاثات.
ويشير إلى أن تحقيق تقدم بشأن الاتفاقيات العالمية للمناخ، سيكون له بالغ الأثر فى إقناع الأطراف الاقتصادية الفاعلة، بضرورة تعادل الانبعاثات الكربونية فى المستقبل.
حيث يتضمن تقرير البنك الدولى تسهيل التحول أيضا، مساعدة الشركات على إعادة تحديد دورها من أجل عالم أكثر نظافة، وقد شرعت شركات صناعة السيارات فى هذا المسار، حيث حسنت معدلات استهلاك الوقود للوفاء بمعايير الأداء، وتطوير سيارات تعمل بالكهرباء، وذات مستويات منخفضة من الانبعاثات لتلبية الطلب.